بقلم - سليمان جودة
يوماً بعد يوم، تُثبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بالمواقف الحية على الأرض، وليس بالكلام، أنها امرأة بمائة رجل.. وليس موقفها الأخير من قرية الخان الأحمر، فى الضفة الغربية، إلا مثالاً جديداً على صلابتها، وعلى إيمانها بمواقفها، وعلى قدرتها على الدفاع عنها!.
فخلال موجة الهجرة التى تدفقت على أوروبا عموماً، وعلى ألمانيا خصوصاً، طوال أعوام مضت، كانت ميركل فى مقدمة زعماء أوروبا تمسكاً بالدفاع عن حق اللاجئين إلى بلادها، وبالذات السوريون منهم، فى الحصول على الرعاية التى تليق بهم، باعتبارهم آدميين قبل أن يكونوا لاجئين، أو يكونوا فارين من حروب ومن صراعات على السلطة فى بلادهم!.
وقد وقفت إلى جوارهم فعلاً، وقدمت لهم كل مساعدة ممكنة، رغم أنهم كانوا أعداداً هائلة، ورغم أنهم كانوا يهددون فرص فوزها فى أقرب انتخابات.. صحيح أن هناك مَنْ أشاع أن موقفها من اللاجئين كان موقفاً براجماتياً عملياً فى أساسه، وأنها كانت تريد أن تعوض بهم نقصاً فى العمالة الشابة فى ألمانيا، ولكنه موقف كان محسوباً لها فى كل الأحوال!.
وقبل أيام كانت، وكنا معها، على موعد آخر مع موقف جديد لها، عندما قررت القيام بزيارة إلى إسرائيل استمرت يومين!.
فقبل الزيارة كانت أخبار قرية الخان الأحمر الفلسطينية تملأ وسائل الإعلام، وتطغى على كل خبر فلسطينى آخر.. وكانت القصة أن المحكمة العليا فى تل أبيب قد أصدرت قراراً بإزالة بيوت القرية كلها، لأنها.. أى القرية.. تمثل فى نظر المحكمة تجمعات سكنية غير قانونية!!.. وما كاد قرار المحكمة يصدر حتى كانت السلطات الإسرائيلية تتلقفه وتعلن البدء فى تنفيذه، لولا أن وقفة صامدة من جانب أبناء الخان الأحمر قد عطلت تنفيذ القرار ووقفت فى سبيله بكل الطرق!.
ولكن حكومة بنيامين نتنياهو بدا أنها متمسكة بالتنفيذ، دون أن تعير سكان القرية أى اهتمام، ودون أن تهتم بأن عملية إزالة بيوتهم سوف تحولهم إلى لاجئين فى العراء بلا بيوت، وبلا مأوى، وبلا أمل!.. وقد تحولهم إلى ارتكاب أعمال عنف.. وكان موقف الإدارة الأمريكية منحازاً كالعادة إلى جانب تل أبيب، فأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن قرار المحكمة الإسرائيلية مقبول لديها!.
وكان هذا فى حد ذاته مما شجع حكومة نتنياهو.. ولايزال يشجعها!.
ولكن ميركل أعلنت قبل بدء زيارتها أنها ستلغيها على الفور إذا ما أقدمت الحكومة الإسرائيلية على هدم بيوت القرية قبل الزيارة، أو أثناءها.. وهو ما دعا حكومة تل أبيب إلى أن تعلن أنها لن تفعل ذلك، وامتنعت تماماً عن الاقتراب من الخان الأحمر قبل الزيارة وأثناءها!.
أما ما بعد الزيارة فهو فى حاجة إلى موقف عربى.. موقف يستكمل ما بدأته ميركل.. موقف يصطف إلى جوار الحق لا أكثر!.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع