بقلم : سليمان جودة
فى يوم واحد تقريبًا، ذهبت مصر بالمسألة الليبية إلى جامعة الدول العربية، وذهبت بقضية سد النهضة إلى مجلس الأمن، وأصبح على الجامعة العربية أن تقول كلمتها فى المسألة، وصار على المجلس فى نيويورك أن يتصرف فى القضية!
جامعة الدول العربية هى بيت العرب، وهى المنظمة الإقليمية العربية الأكبر فى المنطقة، وليس مطلوبًا من الأعضاء فيها إلا أن يسعفوها فيما تريد تقديمه لكل عربى، وفيما تسعى إليه من أجل كل عاصمة عربية.. ولنتذكر أن عدد أعضاء الاتحاد الأوروبى على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط، قريب من عدد أعضاء الجامعة فى ميدان التحرير!
وما يربط بين أعضاء الجامعة على كل ستوى، أقوى بكثير مما يربط بين أعضاء الاتحاد على المستويات نفسها.. ومع ذلك.. فهناك فارق كبير فى الأداء، وفى القدرة على اتخاذ القرار السريع.. والفارق ليس لقوة فى الاتحاد الأوروبى فى حد ذاته، ولا لضعف فى الجامعة فى حد ذاتها، ولكن لأن هناك إرادة أوروبية يقظة، وقوية، وحاضرة، فى مقابل إرادة عربية فى أشد الحاجة إلى أن تتيقظ، وتقوى، وتكون حاضرة!
يكفى أن نستحضر الطريقة التى تصرف بها الاتحاد من مقره فى بروكسل، عندما اكتشف أن اليونان- كدولة عضو- تواجه مشكلة اقتصادية تكاد تصل بها إلى مشارف الإفلاس.. كان ذلك قبل نحو عقد من الزمان، ولم يشأ الاتحاد أن يتباطأ، وقد راح يتحرك سريعًا، وراح يكفل الحكومة فى أثينا ويضع لها البرنامج الاقتصادى الذى ينقذها من الغرق ويعيدها إلى الشاطئ.. فأعادها!
وفى المواجهة مع تداعيات ڤيروس كورونا أطلق الاتحاد صندوقًا ماليًا ضخمًا للتعافى، وجعل النصيب الأوفر فيه من حظ باريس ومدريد وروما؛ باعتبارها العواصم الثلاث التى هاجمها الڤيروس بضراوة أكثر من غيرها.. وكان ذلك كله من علامات ثلاثية اليقظة والقوة والحضور التى لا تغيب فى كيان الاتحاد!
وقد قرأت أن اجتماع الجامعة على مستوى وزراء الخارجية حول المسألة الليبية- يمكن أن ينعقد الأسبوع المقبل، مع أن اجتماعًا كهذا كان يتعين أن ينعقد أمس، قبل أن يلتئم اليوم، فضلًا عن أن يجد فرصته فى الغد.. فالمشكلة فى ليبيا ليست من النوع الذى يحتمل انتظارًا.. وليس من المعقول أن يستقبل مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركى، نظيره الإيطالى لويجى دى مايو، أمس الأول الجمعة، للبحث فى المسألة نفسها، مع أنها ليست تركية ولا إيطالية، ثم يتقاعس العرب أمام قضية هى عربية لحمًا ودمًا!
الجامعة فى التحرير تنتظر همة عربية تتسق مع حجم الأخطار حولنا!