بقلم : سليمان جودة
أدرك الدكتور هشام عيسى، الطبيب الخاص لعبدالحليم حافظ، أن صدق العندليب كان هو جواز مروره إلى قلوب الناس، فكان الصدق أساساً للكتاب الذى أصدره الدكتور هشام عن رحلتهما معاً، وسوف تلاحظ ذلك بسهولة فى كل الصفحات من الغلاف إلى الغلاف!
والذين عابوا على كامل الشناوى حديثه عن أن عبدالحليم لم يكن صادقاً إلا فى الغناء، كان عليهم أن يأخذوا حديث الشناوى بحُسن نية، لأن ما يهم الملايين ممن أحبوا العندليب، ولايزالون، أنه كان صادقاً فى كل مرة أطل فيها عليهم، ولم يخذله الصدق ولا مرة واحدة، سواء كان على المسرح يغنى، أو كان فى السينما يؤدى، أو كان فى الإذاعة لا يصل منه إليهم إلا صوته الذهبى!
كتاب الدكتور هشام صدر عن دار الشروق، وكان عنوانه من كلمتين: «حليم وأنا»!.. أما المقدمة فهى بقلم الأستاذ منير عامر، الذى اختاره عبدالحليم فى حياته ليكتب مذكراته، وكان عامر هو الوحيد الذى فاز بالمذكرات من بين جميع أصدقاء حليم!.. وفى مقدمته وصف الكتاب بأنه قائم على «الأمانة الرحيمة».. وأعتقد أن هذا صحيح إلى مدى بعيد.. وإذا شئنا شرحاً للعبارة قلنا إن شعار هشام عيسى فى كتابه هو الآتى: أنا لا أقول كل الحقيقة، ولكن كل ما أقوله حقيقة!
وقد رصد مفارقتين فى حياة العندليب، إحداهما أنه دخل قسم الآلات فى معهد الموسيقى، ليتعلم العزف على آلة الأبوا فأصبح مطرباً، وأن كمال الطويل دخل قسم الأصوات فى المعهد نفسه ليدرس الغناء فصار ملحناً، وكان الغريب أن أولى أغنيات عبدالحليم كانت من ألحان الطويل!.. والمفارقة الثانية أن عبدالحليم تجاور مع أحمد فؤاد نجم على سريرين رقم ٩٤ و٩٥ فى ملجأ أيتام الزقازيق، ثم اشتهر أحدهما بأنه العندليب والثانى بأنه الفاجومى، ولم يلتقيا مرةً ثانية مدى الحياة!
فى الكتاب فصلان كاملان عن علاقة الصداقة الفريدة التى ربطت عبدالحليم بالحسن الثانى ملك المغرب، فهى علاقة بين حاكم له عقل الحسن، ومطرب له صوت عبدالحليم، وقد شاء القدر أن يضع العندليب فى طريق الملك فينقذه من موت محقق فى محاولة الانقلاب الأولى على عرشه فى عام ١٩٧١، ولولا ذكاء عبدالحليم الذى أوحى إليه برفض إلقاء بيان الانقلابيين فى الإذاعة، لكان حكم الحسن قد انتهى فى ذلك التاريخ!
جمع المؤلف بين الطبيب والأديب فكتب عن وفاة فريد الأطرش يقول: مات فريد ومن بعده حليم ولكن الربيع لا يموت.. وكتب عن رحيل أم كلثوم: خرج أربعة ملايين فى جنازتها يودعون عصر الغناء!.