بقلم : سليمان جودة
هل يمكن أن يأتى يوم يستطيع فيه المسلم أن يعيش فى مجتمع غير مجتمعه، فلا ينعزل عنه، ولا يصطدم به، ولا يقطع رؤوس أفراده فى الشارع؟!
هذا ممكن فى الغالب، ولكن المشكلة أنه سوف يستغرق وقتاً لا نستطيع أن نحدد مداه، وهذا ما قصده الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وهو يقول قبل أيام إن الإسلام السياسى فى بلاده هو مصدر الشر، وإن المعركة معه طويلة لأنها أمنية وثقافية وتربوية!
وقد كان ماكرون، فى هذا التوصيف للمشكلة، وكأنه يتحدث عنا هنا فى مصر وفى كل بلد عربى يكتشف كل يوم أن المنتمين فيه إلى ما يسمى الإسلام السياسى، على خصام مع مجتمعهم يصل إلى حد العداء مع المجتمع ومع الناس!
ففى عصر الجمعة ١٦ أكتوبر خرج شاب شيشانى على مدرس تاريخ فرنسى فى ضاحية تقع شمال باريس، ففصل رأسه عن جسده ثم فر هارباً، وما هى إلا دقائق حتى كان قد لقى مصرعه بتسع رصاصات على يد الشرطة، ليتبين لها أنه مسلم دخل البلاد قادماً من موسكو، وأنه يحمل بطاقة إقامة صالحة إلى ٢٠٣٠!.. وكان المدرس قد عرض على تلاميذه رسوماً مسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام!
وأرجو ألا يبادر قارئ كريم فيقول: يستاهل!!.. أرجو هذا لأن النبى الكريم لو كان حياً بيننا، ثم عرف أن فلاناً من الناس يسبه ويسىء إليه، ما كان أبداً سيطلب قتله، وما كان بالتأكيد سيتعامل معه بهذه الطريقة التى تعامل بها معه الشاب الشيشانى!.. لقد أخطأ مدرس التاريخ بغير شك، ولكن خطأه يمكن علاجه بألف طريقة، ليس من بينها الاعتداء على حياته ولا القتل فى الشارع أو فى غير الشارع!
يجب أن نكون على يقين فى أن مقام النبى بعد الرسوم المسيئة هو نفسه قبلها، وأن رسوماً مسيئة لن تنال منه فى شىء ولو نشروها كل نهار، وأن على الذين ينتمون إلى ما يسمى الإسلام السياسى هناك فى فرنسا أو فى أى أرض أن يتخلوا عن أفكار ليست من جوهر الدين فى شىء، وأن يتحلوا بأخلاق الإسلام التى جاء ينشرها بين الناس.. الإسلام الذى يأمر بالمعروف، ويقدم الجدل مع الآخرين بالتى هى أحسن على كل ما عداه، ولا يعرف عنفاً ولا يتبناه!
ولكن المشكلة أن العالم لايزال غير قادر على أن يفرق بين مثل هذا الشاب الذى إذا ارتكب جريمة كهذه ظل مسؤولاً عنها وحده، ومعه الذين زينوا له أفكار القتل، وبين غالبية من المسلمين لا تؤمن بهذه الأفكار ولا تعرفها!