الآن... ما المطلوب من الدوحة؟!
أخشى أن يستغرب القارئ من السؤال، وأن يرى أني أسأل عن بديهيات من نوع أن حاصل جمع واحد زائد واحد: اثنان... لا ثلاثة طبعاً، ولا أربعة!
وسوف يكون القارئ الكريم على حق في استغرابه، ولكنه لو صبر قليلاً، فسوف يكتشف أني قصدت إلقاء السؤال بهذه الصيغة؛ لأن له عندي ما بعده!
له عندي ما بعده؛ لأن المطلوب من الدوحة، مهم، غير أن الأهم هو: من أين يجب أن تأتي المطالب التي على العاصمة القطرية أن تنصت إليها، وأن تستجيب لها؟!
إن الكل يعرف أن المطلوب منها أن تتوقف عن دعم منظمات التطرف، وجماعات الإرهاب، وأن تكف عن التدخل فيما لا يعنيها من شؤون الدول الأخرى، وخصوصاً الدول المحيطة بها، وأن تقلع عن لهجة التحريض التي تميز منصات إعلامية تملكها وتنفق عليها.
هذه، باختصار، هي أهم المطالب، وليس كل المطالب طبعاً، ولو أن هذه المطالب الثلاثة تحققت، وصادفت استجابة لدى الحكومة القطرية، فسيكون ما عداها سهلاً، وأمره هيناً!
ننتقل بعدها من المهم للأهم، ثم نسأل: هل المطالب الثلاثة تخص القاهرة، والرياض، وأبوظبي، والمنامة، وفقط؟! وبمعنى آخر: إذا كانت العواصم الأربع عانت وتعاني من الفكر المتطرف، ومن سلوك معتنقيه، ومن عواقب هذا السلوك، فهل يعني هذا أن التوقف عن دعم جماعات الإرهاب، والكف عن التدخل في شؤون الآخرين، والإقلاع عن لغة التحريض في الإعلام، كلها مطالب تخصها وحدها، كعواصم أربع قريبة جغرافياً من العاصمة القطرية، ولا تتعلق بعواصم أخرى حول العالم؟!
إذا جاءت الإجابة عن هذا التساؤل بـ«نعم»، فلن يكون لها من معنى، سوى أن العالم لا يرى القضية بين الدوحة وبين العواصم الأربع على حقيقتها، وأنه مدعو إلى أن يدقق فيها النظر، ليراها على ما يجب أن يراها عليه!
وإذا كانت الإجابة بـ«لا»، فسوف يكون على هذا العالم نفسه، أن يمارس مسؤوليته، وأن يقف مع العواصم الأربع وقفة عالم يحارب الإرهاب، والتطرف، والعنف، بمعيار واحد، ولا يفرق وهو يحاربه بين نوع منه هنا، يغض عنه البصر، ونوع آخر هناك يفتح عليه عينيه إلى آخرهما!
إن الإرهاب يضرب في لندن مرة، وفي نيس الفرنسية مرة من قبل، وفي برلين من قبل المدينتين، ثم في الولايات المتحدة، وفي الفلبين، وفي الصين، وفي كل مكان. وهو لا يفرق بين ضحاياه في الأرض التي يوجه ضرباته من فوقها، ولا في الاتجاهات التي يُصوب نحوها!
وهو بعد أن كان يضع قنبلة هنا، أو يفجر مبنى هناك، أصبح يفاجئ الأبرياء إما دهساً، وإما طعناً، دون تمييز، وبلا مقدمات!
ماذا نفهم من هذا كله؟! نفهم أن القصة في أساسها، ليست خاصة بمصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وحدها؛ لأن الإرهاب لا يوجه ضرباته إليها ويستثني غيرها. لم يحدث، فأمام كل عملية غادرة على أرض أي من الدول الأربع، تتعرض أكثر من أرض، في أكثر من دولة، لعمليات أشد غدراً، لا لعملية واحدة، ولا لضربة عابرة!
الإرهابي الذي يخرج على الناس رافعاً سلاحه، لا يستيقظ من نومه ليتصرف هكذا فجأة، ولكنه يفعلها بعد أن يكون قد انتقل من مرحلة الفكرة في الرأس، إلى مرحلة الخطوة على الأرض، وما بين الخطوتين، ثم ما قبلهما، هناك إعلام يحرض، وجهات تحرك، وجماعات توجه، وكلها من الإعلام، إلى الجهات، إلى الجماعات، لا بد أن تجد مَنْ يصيح أمامها بأعلى صوت: كفى!
المعركة ضد الإرهاب ليست معركة الدول الأربع، ولن تكون، ولو كانت معركتها وحدها ما كان وزراء خارجيتها قد تحركوا بين أرجاء الدنيا بهذا النشاط، ولا بهذه الدرجة من الهمة، ولكانوا قد طلبوا وزير الخارجية القطري إلى اجتماع، ثم صارحوه بأنهم وحدهم، دون غيرهم، مضارون من كذا وكذا، وأن عليه أن ينقل هذا إلى حكومته، وأن عدم التوقف عن إلحاق الضرر ببلادهم عاقبته كذا أيضاً وكذا!
ولكن المعركة ليست معركتهم وحدهم، إنها معركة عالم بكامله، ولا يكفي أن نسمع من واشنطون في القلب من هذا العالم، أن إدارة ترمب الحاكمة فيها، ترى ضرورة توقف قطر عن دعم التطرف. هذا في حد ذاته شيء جيد بالطبع، ولكنه أبدا لا يكفي. لا يكفي لأني يمكن أن أقوله، وغيري ممن لا يملكون سلطة سيد البيت الأبيض يقولونه، ولا بد أن يكون هناك فرق بين ما أقوله أنا وأنت وهو، من حيث أثره الفاعل على الأرض، وبين ما يقوله رئيس أقوى دولة في عالمنا!
وسوف نرى الفرق بأعيننا، إذا ما سمعنا سيد البيت الأبيض يقول إن المعركة معركة العاصمة الأميركية، بمثل ما هي معركة العواصم الأربع، وكذلك أي عاصمة أخرى تضررت من الإرهاب وتتضرر، سواء بسواء، وإن هذا هو الدليل!
ضرر الإرهاب يتجاوز الدول الأربع، والمعركة معه لها الطبيعة نفسها!
المصدر : صحفة الشرق الأوسط