بقلم : سليمان جودة
سوف يأتى يوم فيما بعد، يتوقف فيه التاريخ أمام الموقف الإثيوبى في مفاوضات سد النهضة، وكيف انتقلت إثيوبيا خلالها من حالة الدولة التي تحترم كلمتها، وتضع مبادئ القانون الدولى حيث يجب أن توضع، إلى حالة الدولة التي لا كلمة لها، ولا اعتبار عندها لمبادئ القانون الدولى التي تنظم الاستفادة من مياه الأنهار!.
وسوف يتوقف التاريخ يومًا ليقول، إن هذه دولة لم تشأ أن تعطى اهتمامًا للسودان، رغم أنه دولة على جوار مباشر معها، وتربطهما معًا رابطة الاتحاد الإفريقى التي تجمعها مع باقى دول القارة السمراء!.
وسوف يتوقف التاريخ ليقول إنها تحللت من كل اتفاق وصلت إليه، وإنها ذهبت إلى مفاوضات استضافتها وزارة الخزانة الأمريكية، وحضرها البنك الدولى، ثم ضربت بعرض الحائط ما توصلت إليه المفاوضات، فغابت عن آخر جلساتها دون مقدمات، وتجاهلت الوزارة التي استضافت، والبنك الذي حضر!.
وسوف يتوقف التاريخ ليقول إن إثيوبيا كانت في موقفها التفاوضى أشبه ما تكون بالسيدة دنلوب في الأسطورة اليونانية القديمة.. فلقد كان زوجها قد ذهب إلى الحرب، وقد غاب طويلًا دون أمل في عودة، وكانت دنلوب قد بدأت تستقبل الذين يخطبون ودّها، ويطلبون الزواج منها!.. ولكنها لم تكن تجد ما تقوله، فكانت كلما جاءها شاب جديد يطرق بابها، ردت فقالت إنها تنسج ثوبًا في يدها، وإنها سوف تقبل الزواج بمجرد الانتهاء من الثوب!.. وكانت تسارع نهارًا إلى فك ما تنسجه في الليل.. وهكذا كل يوم بغير توقف.. فلم يتوقف الشبان الراغبون في الزواج عن طرق الباب، ولا توقفت هي عن فك ما تنسجه أولًا بأول!!.
لم يختلف حال الحكومة في إثيوبيا عن دنلوب.. فهى تذهب إلى المفاوضات ثم تتغيب دون اعتذار، وهى تقول اليوم ما تتهرب منه في الغد، وهى تعلن غدًا ما سوف ترجع عنه بعد الغد.. ولا بد أنها مثال جديد تمامًا للدولة في العلوم السياسية التي ستعكف بالضرورة على دراسته كمثال نادر الوجود بين الدول!.
وسوف يتوقف التاريخ ليقول إن ما يسمى المجتمع الدولى قد وقف متفرجًا، وإنه في مرحلة من مراحل الفرجة قد منح آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، جائزة نوبل للسلام!!.. رغم أنه كان ينسف كل فرصة للسلام في الإقليم، ورغم أنه كان في القلب من كل هذا العبث مع مصر، باعتبارها دولة المصب للنهر الخالد، ومع السودان بوصفها دولة الممر!!.
سوف يتوقف التاريخ ليرصد هذا كله ويسجله، وسوف يسجل أن القاهرة تصرفت كعاصمة تجلس على ثقافة وتتكئ على حضارة، وأنه لم تنقصها الحيلة للحفاظ على ما تقول السجلات إنه حق أصيل لها!.