توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

  مصر اليوم -

لأميركا وجهان وهذا وجهها المضيء

بقلم: سليمان جودة

لا يكاد يجتمع اثنان حول العالم هذه الأيام، إلا ويكونان بين ساخط على الولايات المتحدة الأمريكية وكاره لها.

ومن المفهوم أن السخط أو الكراهية ليسا للولايات المتحدة في حد ذاتها، ولا لشعبها الأمريكي، ولكن لسياساتها المعتمَدة إزاء أزمات ومشكلات لا حصر لها على ظهر الكوكب، ثم إزاء الحرب الإسرائيلية الوحشية على الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك على لبنان.

وإذا نسينا فهل ننسى مثلاً أن أنتوني بلينكن، وزير خارجية الأمريكي، كان قد زار إسرائيل في أول الحرب فقال وهو في طريقه إليها أو عندما وصل إليها، إنه جاء يزورها بصفته يهودياً قبل أن يكون وزيراً لخارجية بلاد العم سام؟

إذا نسينا فلا يمكن أن ننسى هذا مهما تتالت الأحداث، لأن تصريحاً مستفزاً لم يكن مجرد عبارة ألقاها الرجل ونقلتها عنه وسائل الإعلام، ولأن التصريح تحوّل من بعدها إلى سياسة عملية راحت الإدارة الأمريكية تتعامل على أساسها، كلما وجدت أنها طرف في قضية تخص الحرب أو تخص إسرائيل.

وقد كان الأمل أن يُنحي بلينكن ديانته بعيداً وأن ينأى بها عن أن تكون نظَّارةً على عينيه يتطلع من خلالها إلى الحرب التي دخلت عامها الثاني في السابع من الشهر الماضي. كان الأمل في الولايات المتحدة بوصفها وسيطاً ألّا تتخلى عن الحدود الدنيا في النزاهة والإنصاف وهي تمارس جهود الوساطة.

ولم يكن الوزير الأمريكي يقول ما يقوله أو يمارس ما يمارسه من سياسات بين الطرفين المتحاربين من دماغه أو على سبيل التغريد منفرداً، ولكنه كان يعبّر عن سياسة معتمَدة لإدارة بكاملها، وكانت إدارته، ولا تزال، تصمِّم على أن تمضي في السياسة المنحازة نفسها، وتأبى إلا أن تغادر وهي شريك فيما أصاب أبرياء غزة ولبنان الذين سقطوا بين جريح وقتيل، ولم يحرك شعرة في رأس أحد من فريق هذه الإدارة أن يكون عدد القتلى في القطاع وحده قد اقترب من خمسين ألفاً، ولا أن تكون غالبية الرقم من بين الأطفال والنساء.

وقد شاءت الأقدار أن يتزامن هذا الموقف الأمريكي المؤسف مع بدء السباق الرئاسي الأمريكي إلى البيت الأبيض، ثم مع وصول السباق إلى غايته في الخامس من الشهر الجاري. ولأنه لم يكن سباقاً عادياً كسباقات مماثلة تابعناها في وقتها، فإنه قد حظيَ بقدر من المتابعة غير مسبوق، وانقسم الناس في أرجاء العالم بين مؤيد لكامالا هاريس، وبين آخر متحمس وراغب في أن يفوز دونالد ترمب.

وكانت نسبة المتابعة العالية مرتبطة بأشياء ينفرد بها النظام السياسي الأمريكي الداخلي، ولا يوجد لها نظير في أي نظام سياسي في أي بلد آخر، وهذا ما جعل المتابعة العالية تنتقل من مجرد المتابعة إلى نوع من الإعجاب الخفيّ بما يدور هناك في عاصمة بلاد العم سام.

وهل يوجد في أي عاصمة في العالم نظام انتخابي يُشرك مع صوت الناخب المباشر نظاماً عجيباً اسمه «المجمع الانتخابي»؟ وهو عجيب لأننا نعرف أنه كان وراء وصول ترمب إلى البيت الأبيض في 2016 رغم أنه بوصفه مرشحاً وقتها حصل على عدد من أصوات الناخبين يقل عن عدد الأصوات التي حصلت عليها المرشحة الخاسرة هيلاري كلينتون!

ليس هذا وحده هو العجيب، وإنما من وجوه العجب أن المواطن الأمريكي الذي يسكن العاصمة واشنطن لا يملك حق التصويت، لا لشيء، إلا لأنه يقيم في العاصمة التي فضّل الآباء الستة المؤسسون للولايات المتحدة أن يجعلوها منطقة محايدة فلا يصوّت أبناؤها في السباقات الانتخابية. ولهذا، فإنك إذا كنت في واشنطن ثم تطلعت إلى لوحات السيارات، فستلاحظ أن المواطن الذي يسكن العاصمة يكتب على لوحة سيارته عبارة بهذا المعنى: «ضرائب بغير تمثيل»، وهو يقصد أنه يؤدي ضرائبه المفروضة عليه للخزانة العامة شأنه شأن أي مواطن آخر، ولكن بغير أن يكون له ممثلون منتخبون في الكونغرس بمجلسيه؛ الشيوخ والنواب، ليراقبوا الطريقة التي يجري بها إنفاق الضرائب التي بادر هو وسددها بصفته مواطناً. ولا تنقضي العجائب في بلاد العم سام، لأنه قد حدث كثيراً أنْ وقفَ مواطن هناك يخاطب الرئيس المنتخب بشيء من الحدة والجرأة والقوة، فإذا سأله الرئيس: مَنْ أنت؟ ردَّ المواطن على الفور فقال: أنا دافع ضرائب!

إن أداءه الضرائب يمنحه طاقة لمواجهة أعلى رأس في السلطة التنفيذية ويمنحه قوة مستحقة، لأن الضرائب مورد أول من موارد الخزانة العامة، ولأن الرئيس المنتخب يتقاضى راتبه من هذه الخزانة العامة، وبالتالي، فالمواطن الذي يخاطبه في أي محفل هو في الحقيقة ممول أساسي لراتب الرئيس الذي تصرفه الخزانة الفيدرالية العامة. هذا كله يجعلك ترى أن للولايات المتحدة وجهين، أحدهما الوجه الداخلي وهذا هو وجهها المضيء، بينما الآخر وجهها المُظلم أو الظالم، وهذا هو الذي تظهر به علينا في المنطقة وفي خارج المنطقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لأميركا وجهان وهذا وجهها المضيء لأميركا وجهان وهذا وجهها المضيء



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon