بقلم - سليمان جودة
أكاد أسمع صوت اللواء أبوبكر الجندى، وهو يتحدث بينه بين نفسه ويقول إنه أخطأ عندما وافق على دخول حكومة المهندس شريف إسماعيل، وزيراً للتنمية المحلية.. أكاد أسمعه يلوم نفسه لأن بقاءه فى مملكته السابقة، رئيساً لجهاز الإحصاء، كان أفضل كثيراً، ليس له شخصياً وفقط بالطبع ولكن للبلد أولاً!.
وقد خرج الرجل فى التعديل الأخير، بعد أقل من ستة أشهر فى الوزارة، أظنها فترة ضائعة فى حياته، وفى حياة البلد معاً.. فلا هو بقى حيث كان فى الإحصاء، وحيث كان يؤدى بشكل لافت، ولا هو حصل على الوقت الذى يجعله يترك شيئاً وراءه يذكره به الناس وزيراً!.
وربما نذكر أنه كان وزيراً نشطاً منذ اللحظة الأولى.. ثم ربما نذكر أنه كان قادراً على الدخول فى معارك دون خوف، ولم يكن يُخفى أراءً يعتقد فيها ويؤمن بها.. كان يعلنها بشجاعة ولا يخاف.. وفى سبيلها دخل أكثر من معركة سياسية.. وأظن أنه اكتشف من كل معركة أننا مجتمع لا يزال عاجزاً عن تقبل الفكرة المختلفة، ولا يزال عاجزاً عن مناقشة أى فكرة خارج السياق العام، ولا يزال مجتمعاً يفضل الإبقاء على كل ما هو قديم، خشية أن يكون فى الجديد.. جديد!.
ولا أعرف كيف يمكن للمجتمع أن يتحرك خطوة إلى الأمام، إذا كان هذا هو اعتقاده، وإذا كان هذا هو يقينه، وإذا كان المطلوب من اللواء «الجندى» فى كل مرة أبدى فيها رأياً مختلفاً أن يعتذر عنه.. نعم يعتذر.. لا أن يناقش، ولا أن يحاور، ولا أن يحرك العقل العام بين الناس!.
كان فى إمكانه أن ينافق المجتمع، وأن يعلن عليه آراء ليست هى التى يعتقد فيها، وأن يقول شيئاً وهو يعتقد عكسه، أو أن يقول شيئاً ثم يفعل نقيضه على الأرض.. ولكنه لم يجرب شيئاً من هذا كله، وقرر أن يكون متسقاً مع نفسه، فخسر كرسى الوزير، وكسب درساً كبيراً من دروس الحياة!.
وقد كنت أتصوره مرجعاً أساسياً للدولة فى حركة المحافظين المقبلة، لثلاثة أسباب، أولها تجربته الطويلة فى جهاز الإحصاء، وثانيها تجربته القصيرة مع المحافظين الحاليين، وثالثها أننا أحوج إلى محافظين حقيقيين فى مواقعهم أكثر من حاجتنا إلى وزراء نشطاء فى مناصبهم!.. وإلا.. فهل من المقبول، أو حتى من الطبيعى، أن يسمع الواحد منا، لأول مرة، عن محافظين موجودين فى مناصبهم منذ سنوات؟!.. هل يصلح المحافظ منهم للمنصب، إذا كنا نسمع به للمرة الأولى، اليوم، وكأنه ذهب إلى محافظته بالكاد أمس الأول؟!.
أكاد أسمع صوته وهو يريد أن يفضفض بأشياء كثيرة!.
نقلاَ عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع