بقلم سليمان جودة
ليس صحيحاً أن الرئيس تجاهل الأزمة بين الداخلية ونقابة الصحفيين، خلال زيارته إلى الوادى الجديد أمس الأول، فالرئيس كان يتكلم فى صُـلب الموضوع عندما قال: أنا مابخافش.. ولكن بطريقة: إياك أعنى واسمعى يا جارة!
صحيح أن الرئيس لم يشأ أن يُسمى أحداً يقصده بعبارته، وصحيح أنه تكلم عن قوى الشر فى الداخل وفى الخارج، دون أن يحدد مواقعها أو طبيعتها، ولكن الأصح، أن الرئيس كان يتحدث فى أساس الأزمة بين الطرفين، حين قال عبارته وكررها تسع مرات!
وما أخشاه، أن تكون «الرسالة» التى سوف تصل من العبارة إلى أجهزة الدولة ذات الصلة بالموضوع، هى ألا تخاف هى الأخرى، فتبدأ من جانبها فى التصعيد، وترد النقابة بتصعيد مقابل، ويدفع البلد الثمن!
إن فى انتظار البلد معارك أكبر بكثير من معركة الداخلية مع النقابة، ليس لأن معركتهما شىء صغير، وإنما لأن المفترض أن نكون قد تجاوزنا موضوعها من زمان، لنتفرغ لملفات أخرى أهم بكثير، خصوصاً ملف أمن البلد، بمعناه العام، ثم ملف الاقتصاد والسياحة بشكل خاص!
وعندى يقين فى أن الأزمة بين الطرفين لن تجد حلاً إلا إذا جلس طرفاها معاً، وبشكل مباشر، دون أن يسمحا لطرف ثالث بالتواجد بينهما، من نوعية أصوات بعينها نسمعها من داخل البرلمان، لا تريد سوى أن تحقق بطولة زائفة على حساب النقابة، وحساب الصحفيين، وهى أصوات خلفياتها معروفة، كما أن الجميع يعرف أنها لا تتحرك من تلقاء نفسها، وإنما يحركها الذى وضعها فى البرلمان، وفرضها على الناس، ثم تتصور بسذاجة أنها منتخبة!
إننى أميل إلى ما يقترحه الدكتور محمد شتا، فى رسالة وصلتنى، يرى فيها أن رئاسة الوزراء عليها أن ترعى لقاءً مباشراً بين الطرفين، وأن تسارع فى ذلك، وأن يسبق اللقاء صدور بيان من الداخلية تؤكد فيه احترامها للنقابة ككيان مدنى، واحترامها لدور الصحافة فى مجتمعها، وأنها لم تدخل النقابة لتهين أعضاءها أبداً، وإنما فقط لضبط شخصين مطلوبين للعدالة.. ويخرج بيان فى الوقت نفسه عن النقابة، تعلن فيه رفض كل كلمة خارجة كتبها الشخصان المطلوبان، ثم رفض أى كلمة مماثلة تكون قد صدرت فى الداخل، أو فى الخارج، ضد أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، وتعلن تعليق القرارات التى صدرت عن اجتماع الصحفيين الثلاثاء الماضى.
بيانان بهذا المحتوى، يعقبهما اجتماع ترعاه رئاسة الوزراء، لا يحضره أى طرف دخيل ثالث، يمكن أن يكون طريقاً إلى وأد الأزمة فى مهدها تماماً، لأن البديل الآخر هو أن يواصل النائب العام التحقيق فى بلاغ كل طرف ضد الثانى، ليكون القضاء هو الحكم، وهو عنوان الحقيقة.
اعتقادى أن البديل الأول هو الذى يمثل بديلاً عملياً أكثر، وهو الذى على رئاسة الوزارة أن تتبناه، وأن يكون ذلك بسرعة، حتى يمكن قطع الطريق على الأفاعى التى أطلت، ولاتزال تطل، من جحور كثيرة، وتريد أن توظف الأزمة كلها لصالحها هى، لا لصالح الدولة طبعاً، ولا لصالح النقابة نفسها.. إنها «تركب» النقابة لتحقيق أهداف تخصها، حتى ولو كان ذلك على حساب سلامة كيان الدولة ذاته!
وأخشى ألا تكون عبارة الرئيس مشجعة على المضى فى اتجاه مثل هذا الطريق، وأن يكون الذين عرضوا عليه الموضوع قد عرضوه بهدف إشعاله، لا إطفاء النار المشتعلة تحت الأقدام!