بقلم : سليمان جودة
لماذا لا نضرب عصفورين بحجر واحد ونستثمر فى الواضع الراهن حيث القلوب والعقول مهيأة لاستقبال الجديد والغريب؟قد يبدو الحديث عن التوعية بالنظافة والتعريف بقواعدها الجوهرية وليست الرمزية، وتدريب العقول على الفكر الإنتاجى بديلاً عن الاستهلالكى فقط فى غير وقته بسبب ظرف «كورونا» الراهن.لكن العكس هو الصحيح. استهلاك «شنط الطعام» التى يمعن أهل الخير فى شرائها للمحتاجين، وعمل جمعيات خيرية على مدار دهور بطواقم إدارية وتسويقية وإعلامية وإعلانية لمناشدة أصحاب القلوب الرحيمة التبرع لأصحاب الجيوب الخاوية مفاهيم مدعوة لتعديل الدفة.
وتعديل الدفة لا يعنى بالطبع التخلى عن «المحتاجين» أو هجرهم أو رفع شعار «مغلق» فجأة فى وجوههم، ولكن التعديل يعنى التصحيح. عدد من المفاهيم بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمساعدة المحتاج عن طريق إمداده بكيلو لحم أو كيس أرز أو عبوة مكرونة، ومنها على سبيل المثال: تجذير المذلة والمهانة للمحتاج حيث تصويره وهو يبكى طلباً للطعام، ثم توثيق لحظة حصوله على كيلو اللحم وأطفاله السبعة يهللون فرحاً من حوله، اعتبار إطعام فم المحتاج اليوم إنجازاً عبقرياً وعملاً لوذعياً، الترويج لمفهوم إطعام مليون أو مليونى أسرة بصفة يومية عبر بنوك الأكل باعتباره أمراً حميداً وتصرفاً عظيماً، التغاضى عن أثر ذلك على الأسر التى تعتبر ذلك أمراً مسلماً به، فوجبة الغد مضمونة ومن ثم تتفرغ لإرسال الصبية للعمل على توك توك وتوجيه الفتيات للعمل فى المنازل أو تزويجهن لضمان الإبقاء على دائرة الفقر مستمرة، بزوغ إيمان عميق لدى المتبرعين بالمال لغرض شراء الطعام للمحتاجين بأنهم «عملوا إللى عليهم» مع نعت من ينتقد هذا النوع من العمل الخيرى باعتباره عاملاً مساعداً على مزيد من الإنجاب وقدر أكبر من الاتكال وتجاهل قيمة العمل بنعوت أبرزها «الأنانية» و«التنظير من أبراج عاجية» و«عدم الإحساس بمآسى الناس.
وتتواتر المفاهيم المرتبطة بإطعام المحتاج وتحويله إلى نظام ممنهج دون مد يد العون بشكل كاف لهذا المحتاج ولكن بأدوات التوعية بمغبة هذا الضخ غير المسؤول للعيال (وبالطبع ترتبط عبارة عندى ست أو سبع أو ثمانية عيال ومش عارف أأكلهم بالمنظومة)، وغرس مفهوم العمل الإنتاجى الذى تبخر فى الهواء مع توفير أدواته سواء من حيث التدريب أو المساعدة للبدء فيه.
وفى «زمن كورونا» وبينما نحن مقبلون على شهر رمضان، ربما تعيد الجميعات المتخصصة فى الإطعام النظر فى منهج العمل. فمع كرتونة الطعام كرتونة توعية بسيطة بمفهوم النظافة الحقيقية وخطورة الخلفة دون هوادة، مع أفكار غير تقليدية لتوجيه دفة الفرحة بكيلو اللحم إلى الفرحة بتحويل الأيادى إلى أيادٍ منتجة لأعمال وحرف قادرة على شراء نصف كيلو لحم دون مهانة واعتياد لثقافة مد اليد. هى عملية إحلال وتبديل، ستسغرق بعض الوقت، مع الإبقاء على من يحتاج الطعام عن حق على قوائم متلقيه.