بقلم: سليمان جودة
آخر الإحصاءات المنشورة تقول إن عدد اليهود فى إسرائيل سبعة ملايين و200 ألف، وإن عددهم فى الولايات المتحدة سبعة ملايين ونصف المليون، وإن الرقم الثانى يعمل طول الوقت فى خدمة الرقم الأول، وفى تقديم ما يلزم من دعم على كل مستوى.
ولكن ليست هذه هى القضية الآن.. وإذا شئنا أن نحدد نطاقا زمنيا لكلمة «الآن» هنا، فهذا النطاق سوف يمتد من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة فى 7 أكتوبر 2023 إلى اللحظة الحالية، ثم إلى ما شاء الله فى مستقبل الأيام.
وإذا أراد أحد أن يستوثق من أن حرب إسرائيل على القطاع حرب إبادة، وليست حربا عادية من نوع ما يعرفه العالم من الحروب، فليرجع إلى البيان المعلن عن وزارة الصحة فى غزة يوم الثلاثاء 26 نوفمير، وفيه أن تل أبيب ارتكبت 7160 مجزرة فى حق الفلسطينيين فى القطاع منذ بدأت الحرب، وقضت على 1410 أسر قضاءً كاملا.. أما إجمالى عدد أفراد هذه الأُسر فهو 5444 فردا.
هذا العدد قابل للزيادة لأن الحرب لم تتوقف بعد، لكن الشىء الذى لم تنتبه له حكومة التطرف فى تل أبيب، وهى تبدأ حربها ثم تواصل شنها لأكثر من سنة، أن حربا كهذه لا يمكن أن تكون بلا ثمن آجل، فضلا عن ثمنها العاجل.. فالحرب إذا توقفت فى الغد أو بعد الغد سيكون لها ما بعدها.. والمشكلة أن ما بعدها أخطر منها هى ذاتها، لا لشىء، إلا لأن تداعياته ستكون أوسع وأبعد من الدولة العبرية فى حدودها.
ولا شىء ينطق بهذا المعنى أكثر مما صدر عن ماريك جارلاند، وزير العدل الأمريكى، الذى قال إن وزارته ترصد زيادة «مذهلة» فى التهديدات التى تصل إلى أفراد ومؤسسات يهودية فى الولايات المتحدة. وهو يتكلم طبعا عما ترصده وزارة العدل الأمريكية داخل بلاده، أما اليهود خارج الولايات المتحدة فإنهم ليسوا بعيدين عن التهديدات نفسها.
وهكذا يكتشف السبعة ملايين ونصف المليون المتواجدون فى بلاد العم سام أنهم مدعوون إلى دفع ثمن المساندة لإسرائيل بالحق وبالباطل وبغير تفرقة أو تمييز.
إننى أرفض التعميم عند الكلام عن اليهود الموجودين خارج إسرائيل، فمنهم دُعاة سلام فعلا، ومنهم مَنْ قاد مظاهرات فى نيويورك وفى غيرها ضد ما ترتكبه إسرائيل، لكن المشكلة أن ما ارتكبه جيش الاحتلال ولايزال يرتكبه ضد أطفال ونساء غزة لم يترك مساحة لعدم التعميم، وجعل كل يهودى فى أنحاء العالم يبدو شريكا فيما جرى، حتى ولو كان داعية السلام الأول على الأرض!.. هذا هو الوجه الآخر للحرب التى دامت إلى مدى لم تترك معه طوبة فوق طوبة فى أرجاء القطاع.