بقلم : سليمان جودة
يجب ألا يفوتنا المعنى القوى فى مجىء وزير خارجية فرنسا إلى القاهرة بالذات، ولا الرسائل المباشرة التى كان عليه أن يسمعها حين جلس إلى الرئيس، والإمام الأكبر، ووزير الخارجية!
فهذه هى الزيارة الأولى التى يقوم بها الوزير الفرنسى جان إيف لودريان إلى خارج بلاده فى مرحلة ما بعد حوادث الإرهاب الثلاث التى ضربت فرنسا، بدءًا من ذبح مدرس تاريخ فى إحدى ضواحى العاصمة باريس على يد شاب شيشانى، إلى قتل ثلاثة من المواطنين داخل كنيسة نوتردام فى مدينة نيس على يد شاب تونسى، إلى طعن قس أمام كنيسة فى مدينة ليون شرق البلاد على يد مجهول!.
ففى أعقاب الحادث الأول، خرج الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون يقول، ما معناه، إن فرنسا لن تتوقف عن نشر الرسومات المسيئة التى لقى مدرس التاريخ حتفه بسببها!!.. وقد خانه ذكاؤه فى ذلك بالتأكيد، ووقع فى خطأ ما كان يجب أن يقع فيه رجل فى مثل منصبه.. وعندما قامت عليه الدنيا فى العالم الإسلامى بعدها، فإنه تراجع على الفور وأخذ عددًا من الخطوات إلى الوراء.. ثم راح يردد فى المناسبات ما يشبه الاعتذار!.
ورغم أن منظمة التعاون الإسلامى تضم ٥٨ عاصمة فى عضويتها، إلا أن باريس لم تسمع من أى منها فى الأزمة كما سمعت من القاهرة، سواء من خلال الكلمة اللافتة التى ألقاها الرئيس فى ذكرى المولد النبوى الشريف، أو من خلال الغضبة الظاهرة التى أبداها الإمام الأكبر فى المناسبة نفسها!.
بعدها.. أحست فرنسا أكثر بأنها قد أخطأت، وأن عليها أن تفعل شيئًا لاستيعاب تداعيات هذا الخطأ، فأرسلت وزير خارجيتها فى هذه الزيارة التى سمع فيها ما يجب أن يسمعه، وبالتوازى معه أرسلت وزير داخليتها إلى تونس والجزائر!.
لقد سمع لودريان من الرئيس أن القاهرة ترفض المساس بالرموز الدينية، وترفض كذلك ربط أى دين بأعمال العنف، وتعمل بكل ما لديها من أدوات لإعلاء قيم التعايش والتسامح بين كل الأديان.. وحين ذهب إلى المشيخة سمع الإمام الأكبر يقول: حديثى يكون بعيدًا عن الدبلوماسية حينما يأتى عن الإسلام ونبيه صلوات الله وسلامه عليه.. ثم وهو يقول: «إذا كنتم تعتبرون الإساءة لنبينا حرية تعبير، فنحن نرفض ذلك شكلًا ومضمونًا، وسوف نتتبع من يسىء لنبينا الأكرم فى المحاكم الدولية!».
هذه هى القاهرة عندما تتكلم بقوة ووضوح.. وهذا هو الأزهر عندما يغضب!.. وهذه هى مصر عندما تتحدث بأعلى صوت