بقلم : سليمان جودة
أعلن جاك سوليڤان، مستشار الأمن القومى الأمريكى، أن إدارة الرئيس جو بايدن اختارت السيناتور كريس كونز مبعوثًا خاصًا لها إلى إثيوبيا، وأن المبعوث الجديد سيصل إلى أديس أبابا خلال أيام، وأنه سيعقد لقاءً مع آبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى!.
طالعت هذا النبأ، فاستبشرت خيرًا وتفاءلت، وقلت بينى وبين نفسى إن قضية سد النهضة ستجد حلها أخيرًا، وإن هذا المبعوث لابد أنه سيمارس ضغوطًا على حكومة آبى أحمد فى اتجاه التوصل إلى حل عادل للقضية بين مصر والسودان وإثيوبيا!.
ولكن.. سرعان ما تبدد التفاؤل بزيارة المبعوث الأمريكى الخاص، وسرعان ما تبخر الاستبشار بزيارته، حين قرأت تفاصيل الزيارة وجدول أعمالها!.
لقد جاء السيناتور إلى إثيوبيا ليس فقط من أجل لقاء مع رئيس الوزراء الإثيوبى، ولكن أيضًا لعقد لقاءات مع مسؤولين فى الاتحاد الإفريقى، الذى يتخذ من العاصمة الإثيوبية مقرًا له ولأعماله على مستوى القارة السمراء.. وعندما يكون هذا هو السياق العام للزيارة، التى يقوم بها مبعوث تجرى تسميته للمرة الأولى، فالمتوقع أن يكون موضوع السد على رأس جدول أعمال الزيارة!.
ولكن المفاجأة أن المبعوث جاء يطلب تحقيقًا فى انتهاكات حقوق الإنسان فى إقليم تيجراى الإثيوبى، الذى يقاتل آبى أحمد سكانه الإثيوبيين منذ شهور ويطاردهم.. جاء المبعوث لهذا الهدف وفقط.. فهذا هو كل ما يهم كريس كونز فى زيارته، وهذا هو كل ما يُقلقه ويُقلق الرئيس بايدن، لأن استمرار مطاردة أبناء الإقليم على يد القوات الإثيوبية هو أمر فى نظر المبعوث كونز يهدد الأمن والاستقرار فى شرق القارة الإفريقية!.
أما السد الذى يهدد حياة 130 مليون إنسان فى مصر والسودان، فلا يهدد أمنًا فى القرن الإفريقى، ولا يقوض استقرارًا فى شرق القارة، وإنما يزيدها أمنًا فوق أمن، واستقرارًا فوق استقرار!!.. وربما لهذا السبب كانت إدارة بايدن قد أعلنت أنها لن تربط بين مساعداتها لإثيوبيا وإحراز خطوات إثيوبية إيجابية فى موضوع السد!!.
المؤكد أن هذه الإدارة الأمريكية الجديدة قد أرهقت كل الذين يحاولون فهم خطواتها فى المنطقة منذ دخلت البيت الأبيض فى العشرين من يناير الماضى!.. والمؤكد أيضًا أنك فى حاجة إلى قارئ فنجان، أو قارئ كف، أو ضارب ودع، لعلك تفهم ماذا بالضبط تريد، وعلى أى أساس تحديدًا تتحرك؟!