بقلم : سليمان جودة
لن يصدق كثيرون، بيننا الآن، أن مصر عرفت وزيراً للتجارة فيما بعد 25 يناير 2011، كان يدير شؤون وزارته بلسانه، ولم يكن يضع إمضاءه على ورقة واحدة، لأنه كان يرى أن إمضاءات الذين سبقوه فى الكرسى نفسه، أو فى غيره من الكراسى، قد ذهبت بهم إلى السجن!
الوزير الذى أدار وزارته شفاهية معروف، ولن أذيع سراً، إذا أعلنت اسمه، ولكن المشكلة فى هذه اللحظة ليست فى اسمه، لأنه لم يعد حالة فريدة، ولأن وزراء كثيرين جاءوا من بعده أداروا مواقعهم، ولايزالون بالطريقة نفسها!.. إنهم لا يريدون أن يذهبوا إلى وراء الأسوار، وإذا جاء أحد ليحدثهم عن أن مصلحة البلد هى فى أن يضعوا إمضاءاتهم على كل الأوراق التى أمامهم، فإن على هذا الأحد ذاته أن يطلب تغيير القوانين التى تكبل أداءهم أولاً، ثم يطلب منهم، ما يشاء، بعد ذلك، وليس قبل ذلك أبداً!
ولم يكن زميلى «نيوتن» يبالغ فى شىء، عندما وصف القانون الذى تدار به مصر فى غالبها، هذه الأيام، ومنذ فترة، بأنه القانون اليوغسلافى!.. فمن خلال رسالة جاءته من الأستاذ محمد بهاء الدين أبوشقة، تبين أن قانون الجنح الاقتصادية اليوغسلافى، قد استوردناه من يوغسلافيا، وقت أن كانت العلاقة وثيقة بينهم وبيننا، ووقت أن كان عبدالناصر يحب الرئيس اليوغسلافى جوزيف بروز تيتو، وكان تيتو يحبه!
ذهب عبدالناصر.. ومن بعده ذهب تيتو.. وبقى القانون الذى يعاقب الوزير، أو المسؤول، لأنه اجتهد واستخدم عقله، لا لأنه أخطأ، ولأن الأمر كذلك، فإن الوزراء والمسؤولين قد توقفوا عن استخدام عقولهم، مادام القانون اليوغسلافى هو الحاكم!
ولو توقف الأمر عند هذا الحد.. لهانت المسألة.. فالمهندس صلاح حافظ نكأ أكثر من جرح، حين أرسل لـ«نيوتن» يقول إن هناك قانوناً آخر أسوأ، هو قانون إهدار المال العام، وإن هذا القانون قد وضع رجلاً تخرج فى هارفارد، اسمه نصر الدين علام، فى السجن، لأنه تجرأ يوماً واجتهد فى أن يكون وزيراً ينجز فى مكانه، لا أن يكون وزيراً ينفخ فى الزبادى!
والحقيقة أننا مهرجون على المستوى السياسى، والتشريعى، وعلى كل مستوى، فعندما نعرف أن قانون إهدار المال العام المشار إليه، يعطى الفرصة لتقديم مائة ألف بلاغ سنوياً، ضد مائة ألف شخص، يتبين فى النهاية أن ألفين منها فقط هى للبلاغات الصحيحة، وأن 98 ألف بلاغ هى كيدية، ومعطلة لأى مركب سائر فى البلد!
نحن مهرجون، عندما نعرف ذلك، ثم نسكت، ونترك أصحاب البلاغات الكيدية المعطلة، أحراراً طلقاء يعربدون فى كل اتجاه!
الطريف حقاً.. بل المحزن فعلاً.. أن يوغسلافيا ذاتها اختفت من على الخريطة، وأن قانونها لايزال يحكمنا.. ويقينى أن قانونها الذى يحكمنا كان أحد أسباب اختفائها.. فهل وصلت «الرسالة»؟!