توقيت القاهرة المحلي 10:36:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

منطق الوقت الضائع بين الرياضة والسياسة!

  مصر اليوم -

منطق الوقت الضائع بين الرياضة والسياسة

بقلم: سليمان جودة

إذا سدد فريق رياضي هدفاً في مرمى الفريق المنافس في غير الوقت الأساسي للمباراة، فإن مثل هذا الهدف يوصف في العادة بأنه هدف جرى إحرازه في الوقت الضائع.
أما تقدير حجم مثل هذا الوقت الضائع فيجري من جانب حَكَم المباراة، على أساس ما يراه من مساحة زمنية ضاعت على الفريقين في أثناء الشوطين لأسباب مختلفة، وهو وقت يختلف طبعاً من مباراة إلى مباراة، ولا يمكن الحديث عن تقدير ثابت له في أرجاء الملاعب.
وبالقياس... يمكن الحديث عن وقت ضائع في الولايات المتحدة، وعن أهداف يجري تسديدها في هذا الوقت ما بين رئيس مقبل وآخر على وشك المغادرة!
وهو في الحالة الأميركية ليس وقتاً ضائعاً بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنه مشابه للوقت المماثل في مباريات الساحرة المستديرة، لأنه في الحالتين، حالة كرة القدم وحالة الفترة المتبقية للرئيس المنتهية ولايته، يمثل اللحظات التي بعدها ينسدل الستار على المشهد بكامله.
هو في كرة القدم ليس سوى دقائق معدودة على أصابع اليد الواحدة، وقد يمتد إلى ما يساوي عدد أصابع اليدين بالكاد، ولكنه في الحالة السياسية الأميركية يصل إلى ما يقرب من 3 أشهر، يقع أولها عند الثلاثاء الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) على رأس كل فترة رئاسية، فهذا هو الموعد الثابت لإجراء الانتخابات، وينتهي أمدها في 20 يناير (كانون الثاني)، وهذا بدوره هو الموعد الثابت أيضاً، الذي يتسلم فيه الرئيس المنتخب مقاليد الحكم من الرئيس المنتهية ولايته. وتترقب واشنطن هذه العملية من التسليم والتسلم كل 4 سنوات بالتمام، وبالدقة التي تعرفها ساعة سويسرية. إنها عملية تجري بانتظام لا تتخلف عن موعدها تحت كل الظروف، بحيث يستطيع العالم أن يضبط ساعته عليها، وهو مطمئن إلى سلامة الساعة وانتظام دورانها.
وقد كان أمد الأشهر الثلاثة يطول في الماضي حتى يصل إلى 4، عندما كان حفل التسليم والتسلم يقام في 4 مارس (آذار)، فلما أدخلوا التعديل العاشر على الدستور الأميركي في عام 1933، اختصروا المسافة التي يتعين على الرئيس الجديد أن ينتظرها للدخول إلى البيت الأبيض!
وبمنطق أي شخص يتهيأ لمغادرة منصبه في العموم، فإن الرئيس المنتهية ولايته لن يلام خلال هذه الفترة الضائعة بين ولاية رئاسية توشك على الانتهاء، وبين ولاية أخرى تخطو نحو بدايتها، إذا مال إلى الراحة والاسترخاء، تاركاً كل شيء للقادم من بعده يفعل هو ويقرر هو.
ولكن هذا المنطق لا تقع له على أثر في توالي الفترات الرئاسية الأميركية، بعضها من وراء بعض، ولا في حالة الرئيس دونالد ترمب بالذات.
وربما يذكر الذين تابعوا أجواء رحيل الرئيس باراك أوباما عن منصبه في ختام 2016 ومطلع 2017، أنه كان يتصرف في وقته الضائع، وكأنه مقيم في مكتبه البيضاوي لسنوات مقبلة، رغم أن رحيله عنه كان مسألة أسابيع لا أكثر، إننا نذكر كيف أنه كان يروح ويجيء ويقرر ويزور عواصم خارج بلاده، وكأن ترمب الفائز وقتها ليس واقفاً على رصيف البيت الأبيض ينتظر!
وقد بلغ انخراط أوباما في عمله وقتها، إلى حد أن هناك من راح يهمس بأن الرجل لا يفكر في ترك البيت الأبيض، وأنه ربما يفكر في تعديل الدستور بما يمنحه فرصة مضافة. قيل هذا بالفعل، ولو على سبيل البحث عن تفسير لما كان يفعله الرئيس السابق ويمارسه في العلن.
ولكن الأمر مع ترمب اختلف هذه الأيام بشكل لافت، لأننا عشنا على طول الفترة القصيرة السابقة على إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية نقول إن ما يقوم به الرئيس وقتها إنما يهدف إلى الترويج لنفسه مرشحاً في سباق رئاسي كان يتنافس فيه مع بايدن.
عشنا نقول هذا ونراه، وبالذات على مستوى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين عدد من العواصم العربية، وكنا نرى أن ما يبادر به ترمب في هذا الاتجاه ليس لوجه الله، ولا لوجه تل أبيب التي يخطب ودها كل ساكن في البيت الأبيض، من أول هاري ترومان الذي كان رئيساً يوم قامت الدولة العبرية في 15 مايو (أيار) 1948، إلى الرئيس ترمب الذي لا يزال يحدوه الأمل في البقاء!
لم يكن ترمب يسعى بالتطبيع بين إسرائيل وبين دول في المنطقة لوجه أحد ولا لوجه شيء، ولكنه كان يخاطب الناخب الأميركي خصوصاً، وجماعات الضغط اليهودية على نحو أخص، أو هكذا كان بعضنا يتصور ويرى، وهو يتابع سعياً ترمبياً محموماً في هذا الاتجاه!
وحين جرى الإعلان عن توجهات الناخبين اليهود في صندوق الاقتراع فيما بين ترمب وبايدن، تبين أن 77 في المائة منهم صوتوا لبايدن، وكانت هذه مفاجأة لكثيرين، بمثل ما لم تكن مفاجأة لآخرين يعرفون أن اليهود في الولايات المتحدة عاشوا تاريخياً أقرب إلى الحزب الديمقراطي، منهم إلى الحزب الجمهوري الذي رشح ترمب!
ومن الواضح أن الرئيس المنتهية ولايته كان يدرك هذه الحقيقة التاريخية جيداً، وكان وهو يقدم الهدية بعد الهدية إلى الإسرائيليين طوال سنواته الأربع، يتمنى لو نجح في تعديل مزاج الناخب اليهودي في شتى الولايات، لعله يصوت له هو، لا لبايدن!
ولم تفلح محاولاته كلها في فعل شيء، رغم أن الذين سيأتون لاحقاً للتأريخ لسنوات ترمب في الرئاسة، سيكشفون عن أنه قدّم لإسرائيل ما لم يقدمه رئيس أميركي آخر، بمن فيهم ترومان نفسه الذي اعترف بها لحظة الإعلان عن قيامها.
لكن يبدو أنها عقيدة سياسية لدى الناخب اليهودي الأميركي إزاء الحزب الديمقراطي، مهما قدّم الرئيس الجمهوري من هدايا سياسية طيلة أعوامه الأربعة أو الثمانية.
كان مفهوماً بالطبع أن يجتهد ترمب في منح هداياه إلى تل أبيب، في مرحلة ما قبل 3 نوفمبر، أملاً في أن يمارس قدراً من التأثير على مثل هذا الناخب، ولو بقدر ضئيل، وكان مفهوماً أن تكون محطات التطبيع بين إسرائيل وبين 3 من عواصم العرب هي آخر وأقوى هداياه!
كان هذا مفهوماً في حالة تطبيع العلاقات بين تل أبيب، وبين أبوظبي والمنامة والخرطوم، فالحالات الثلاث كانت قبل 3 نوفمبر، وكلها كانت رهاناً من ترمب على أن ما أطلقه من علاقات على مستواها مع إسرائيل سوف يصب بالضرورة في صندوقه الانتخابي.
وهذا ما لم يحدث حسب استطلاع الرأي الذي قامت به منظمة «جي ستريت» الأميركية التي رصدت التصويت الأميركي اليهودي، فكشفت في حصيلته النهائية عن توجه سياسي تاريخي لا يتبدل لدى الغالبية من يهود الولايات المتحدة.
لكن الرئيس المنتهية ولايته لم يتوقف عن تقديم الهدايا إلى إسرائيل حتى فيما بعد 3 نوفمبر، وحتى بعد أن صار إلى ما يشبه اليقين من خسارته، وقد كان اعترافه بالسيادة المغربية الكاملة على إقليم الصحراء، وإشرافه المباشر على إطلاق العلاقات بين المغرب وبين إسرائيل، من نوع الأهداف التي يجري إحرازها في الوقت الضائع بلغة كرة القدم.
فما الذي كان بالضبط يراوده وهو يمارس إشرافه المباشر بين العاصمتين؟! أظن أنه كان يراهن على كسب آخر دعاواه أمام القضاء، وأظن أنه كان يعلن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الرباط وتل أبيب، وهو يأمل في أن تسعفه المحكمة العليا التي نظرت في دعواه، فلما خسر القضية لم يتردد في القول إن المحكمة خذلته، وإن قضاتها افتقدوا الحكمة والشجاعة!
ما بعد 3 نوفمبر في عرف ترمب ليس وقتاً ضائعاً كما قد يبدو من اسمه، لأنه وقت الإمساك بآخر أمل في التعلق بآخر طوق نجاة، ولأنه وقت إحراز الأهداف التي فات الرئيس المنتهية ولايته أن يحرزها في الوقت الأصلي للمباراة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منطق الوقت الضائع بين الرياضة والسياسة منطق الوقت الضائع بين الرياضة والسياسة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
  مصر اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon