بقلم: سليمان جودة
كان الملك فهد بن عبدالعزيز هو أول مَنْ حمل لقب خادم الحرمين الشريفين بين ملوك السعودية، ومن بعده حمل اللقب نفسه الملك عبدالله، ثم الملك سلمان.
وكان الهدف من اشتقاق هذا اللقب غير المسبوق فى معناه أن يكون الحرم المكى فى مكة المكرمة، ومعه الحرم النبوى فى المدينة المنورة، تحت الإشراف المباشر للملك، وأن تكون خدمتهما مما يتشرف به ملك البلاد.
وقبل موسم حج هذه السنة كانت مواقع التواصل قد تداولت مقطعًا من خطاب للملك سلمان يقول فيه إن الله تعالى إذا كان قد أعطى المملكة شرف خدمة الحرمين على مستوى الأسرة الحاكمة والشعب معًا، فإن هذا الشرف يتوازى مع مسؤولية لابد أن تنهض بها الحكومة فى الرياض على أفضل ما يكون.
وإذا كانت هناك مشكلة تواجه الحكومة السعودية فهى أن فى العالم مليارين من المسلمين، وأن المليارين يريدون أن يعتمروا كل يوم، وأن يحجوا كل سنة.. ومعًا!
وهذا مستحيل بالتأكيد، لأن للحرمين طاقة على الاستيعاب، ولأن أى زيادة عن هذه الطاقة الاستيعابية تظل على حساب جودة الخدمة التى لابد للحاج أو المعتمر أن يحصل عليها.. ولو كانت طاقة الاستيعاب تسمح لكان أحب شىء إلى السعودية هو أن تستقبل المليارين فى وقت واحد وفى كل سنة.. وربما لاحظ الذين تابعوا تفاصيل موسم حج هذا العام أن السلطات السعودية رفعت شعارًا طوال الفترة السابقة على الموسم وأثناءه.. كان الشعار يقول: (لا حج بغير تصريح).
وكان معناه أن وجود أى شخص فى المملكة لا يعنى أن من حقه أن يحج، وكان معناه أيضًا أن حصول أى شخص على تأشيرة زيارة للسعودية لا يعنى أن من حقه أن يدخل مكة فى وقت الموسم، وكان الهدف ألا يدخل إلا الذين لهم مكان لائق فى الطواف، وفى السعى، وفى عرفات، وفى المزدلفة ، وفى منى، وفى كل شعيرة من شعائر الفريضة.
ولكن أعدادًا تسللت إلى مكة كالعادة، وكان تسللها إما بشكل شخصى منفرد، وإما تحت غطاء شركات أخذت الحجاج، ثم ألقت بهم فى الشارع وتخلت عنهم.. والنسبة الأكبر من ضحايا موسم هذه السنة عندنا كانت من بين هؤلاء المتسللين.. وإذا كان الرئيس قد قرر تشكيل لجنة للتعامل مع الأزمة، وإذا كانت اللجنة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى قد سحبت تراخيص ١٦ شركة من شركات السياحة، وأحالت أصحابها للنيابة، فلا بديل عن أن ينال المقصرون فى حق الحجاج عقابهم العادل، وأن يجرى إعلان ذلك على الناس، وأن يكون العقاب كافيًا لمنع تكرار الجريمة مع حجاج أو معتمرين آخرين.
هناك نسبة وفيات طبيعية هى النسبة المعتادة كل سنة، ولكن هناك نسبة أخرى كبيرة اجتمع عليها الطقس الحارق، وعدم الاستطاعة البدنية، والجشع الذى لا حدود له من جانب الشركات.. وهذه النسبة ذنبها فى رقاب أصحاب الشركات المخالفة، وحقها لابد أن يعود لها ولذويها عن طريق اللجنة الرئاسية.. لابد.. لأنه بغير حسم وعزم فإن الموضوع سيتكرر.. فانتبهوا.