بقلم : سليمان جودة
ما هى إلا أيام معدودة على أصابع اليد الواحدة مضت على تصريح ترامب حول سد النهضة، حتى استيقظت المنطقة على تصريح أشد صدر عن كيلى كرافت، المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة، ولكنه هذه المرة عن فلسطين وليس عن السد الإثيوبى!
وفى الحالتين سوف يثير التصريحان ألف علامة استفهام، من حيث مدلولهما، ومن حيث الدافع وراءهما، ومن حيث أهدافهما!.. قالت «كرافت» إن مبادرة السلام العربية لم تعد لها ضرورة، وإن بديلها هو ما قام به الرئيس الأمريكى وأدى إلى السلام!
هذا كلام يضحك به الأمريكان على أنفسهم قبل أن يضحكوا به على المنطقة، وهو كلام يحتاج إلى مراجعة سريعة من صانع القرار الأمريكى لأنه يعود بالمنطقة وبالقضية الفلسطينية، فى القلب من المنطقة، إلى المربع رقم واحد، وبمعنى أدق يرجع بالمنطقة وبالقضية إلى النقطة صفر!
ومن كثرة الحديث عن هذه المبادرة فإنه لا يوجد أحد تقريبًا بيننا إلا ويعرف أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو الذى كان قد طرحها فى القمة العربية، التى انعقدت فى بيروت 2002، وأن طرحها فى القمة وقتها قد خرج بها من النطاق السعودى إلى الأفق العربى كله!
ومن بعدها خرجت المبادرة من الإطار العربى إلى المدار الإسلامى على اتساعه، وصارت تحظى بتأييد إسلامى إلى جانب التأييد العربى، ومن ورائهما راحت تحظى باعتراف دولى معتبر.. وهى تحظى بهذا كله لأنها عادلة فى فلسفتها، ولأن البند الأهم فيها يجعل الأرض للعرب والفلسطينيين، فى مقابل السلام للإسرائيليين، ويربط الأمرين ببعضهما البعض ارتباط المقدمة بالنتيجة!
ليس هذا وفقط، ولكن المبادرة حظيت عند إطلاقها بتأييد من جانب قطاعات فى داخل إسرائيل نفسها لأنها تضع أساسًا قويًا لحل الدولتين، فتجعل للدولة الفلسطينية مكانًا إلى جوار الدولة العبرية سواءً بسواء!
وعلى مدى 18 سنة منذ لحظة طرحها فى القمة فى لبنان إلى اللحظة التى أطلقت فيها «كرافت» تصريحها، كانت هذه المبادرة هى التى يتحدث عنها الفلسطينيون، والعرب، والعالم الإسلامى، بل العالم كله، باعتبارها طوق النجاة الذى يمكن أن يخرج بالمنطقة من هذا الصراع الذى لا يتوقف، ومن هذا العنف الذى لا يكاد يهدأ وينام حتى ينطلق من جديد!
ثم تأتى كيلى كرافت لتشطبها بجَرّة قلم، وتشطب معها أحلام 14 مليون فلسطينى باللحظة التى تقوم فيها دولة تضمهم، وكذلك تشطب أحلام المنطقة بالسلام يملأ أرجاءها!