بقلم : سليمان جودة
أريد أن أسمع قريباً أن واحدة من دور النشر المصرية، أو العربية، قد سارعت إلى الرئيس الأسبق مبارك، وطلبت مذكراته، ووقعت معه عقداً، وأعطته مبلغاً من نوع المبالغ التى نقرأ عنها هذه الأيام، وقبل هذه الأيام!.
فالرئيس الأمريكى السابق أوباما وقع عقداً هو وزوجته، مع دار نشر كبرى، وحصل على 60 مليون دولار، مقابل نشر أوراقه على الناس!.
ومن قبل كان الرئيس بيل كلينتون قد حصل على 15 مليون دولار، وكان بوش الصغير قد حصل على عشرة، وكانت هيلارى كلينتون قد قبضت ثمانية ملايين دولار!.. وكان كل مسؤول عندهم، يخرج من موقع المسؤولية، فيجلس ليكتب تجربته للقادمين من بعده، وهو ضامن لشيئين، أن التجربة سوف تجد من يقرأ، ويعى، وأن كتابه سيكون واسع التوزيع من يد إلى يد!.
إن لدى مبارك ما يقوله، وعنده الكثير الذى يمكن أن نعرفه عن ثلاثين عاماً كان خلالها فى الحكم، ولا قيمة لتجربته، أو لتجربة غيره، ما لم تكن مسجلة على الورق، وما لم تكن متاحة لكل مصرى يقرأ ويتأمل فيها!.
إنه متهم بأنه أضاع ثلاثين عاماً من عمر البلد، دون أن تكون هذه السنين الطوال، إضافة لبلده، وبدلاً من أن تكون خصماً من رصيده بين الأمم، ولابد أنه هو أفضل من يرد على هذا الاتهام ويفنده إذا شاء، كما لابد أنه أفضل من يدافع عن نفسه، وأطالبه بأن يسارع إلى كتابة تاريخه، قبل أن يتقدم آخرون ليكتبوا تاريخه نيابة عنه، فهو أجدر، وأقدر، ولا يجوز أن يكتب شخص آخر، تاريخ حياته، وهو موجود!.
نريد أن نعرف منه هو، لا من سواه، لماذا كانت سنوات وجوده فى السلطة، على النقيض من سنوات وجود مهاتير محمد فى الكرسى، رغم أنهما كانا فى الحكم، فى وقت واحد تقريباً.. فلماذا كان التوفيق هناك، ولماذا كان العكس هنا؟!.
لقد مات عبدالناصر، وهو فى الحكم، ولم تمهله الظروف ليكتب حياته، والشىء نفسه حصل مع السادات، ولو كتب الاثنان لربما كان حالنا أفضل الآن، لأن التجربة اللاحقة، كانت ستأخذ من التجربة السابقة عليها، بدلاً من أن تكون بداية من عند أول مربع، وبدلاً من أن تكون بداية من فراغ!.
ولا يمكن الحديث عن «البحث عن الذات» للسادات، على أنها مذكراته، أو حياته، لأنه كتبها، ونشرها، وهو فى مقعده، ونحن نريد التجربة بعد أن يمشى صاحبها، وبعد أن يتأملها هو من خارجها، فى هدوء ومن بعيد، فيقول إنه أصاب فى كذا، وينصح باستكماله، وأخطأ فى كيت، ولا ينصح بالمشى وراءه.
رواج مذكرات أوباما، وغير مذكرات أوباما، يشير إلى أن الكتاب هناك لايزال فى الأيدى، ولايزال القراء يحرصون عليه، ويتنافسون فى اقتنائه، وفى قراءته، ولكننا هنا نروج للعكس، وكأن المطلوب هو ألا يقرأ أحد، وألا يفهم أحد!.
أطالب مبارك بعد أن نال البراءة من محكمة النقض، بأن يجلس ويكتب، وأطالب دور النشر ذات الرسالة بأن تطارده، وألا تتركه ينام حتى يكتب!.