بقلم : سليمان جودة
اشتهر الرجل فى وسائل إعلام العالم بسرواله الهندى التقليدى، ولحيته البيضاء، التى يحسن تهذيبها، ورأسه، الذى يكاد يخلو من الشعر، وكأنه ينطبق عليه ما كان برنارد شو يقوله عن نفسه، وهو يتحسس لحيته الكثيفة وصلعته النظيفة.. كان يتحسسهما معاً.. اللحية والصلعة.. ثم يقول: إن حال العالم يشبه حال لحيتى وصلعتى.. غزارة فى الإنتاج وسوء فى التوزيع!
أما الرجل فهو ناريندا مودى، رئيس وزراء الهند، الذى فاز فى انتخابات ٢٠١٤، وقضى خمس سنوات على رأس الحكومة، ثم عاد ليفوز فى انتخابات مايو ٢٠١٩، ليترأس حكومته خمس سنوات جديدة!
وقد اشتهر بأنه بائع الشاى، الذى تحول إلى سياسى كبير، والذى هزم حزب المؤتمر الشهير بكل تاريخه وقياداته، خصوصاً أنديرا غاندى، وابنها «راجيف»، وحفيدها «راهول»!
كان «ناريندا» بائع شاى فى الصغر، وكان يبيعه مرة مع أبيه، ومرة مع أخيه، وكان يتنقل بين محطات القطارات يبيع الشاى وينادى عليه، وكان يمسك إبريقاً فى إحدى يديه، وأكواباً فى اليد الأخرى، ويدور بها بين الركاب يوزع ويكسب!
ويظهر أن مهنته القديمة قد علمته الكثير، ومما علمته مثلاً أن كوب الماء هو أغلى شىء يمكن أن يملكه الإنسان، وأن قيمة الماء فى حياتك تعلو فوق قيمة أشياء كثيرة، ولذلك، أطلق صيحة، خلال حضوره قمة العشرين فى اليابان، قال فيها إن أفضل طريقة لترشيد استخدام المياه هى زيادة الوعى بها عند الناس، فهذه هى الطريقة المضمونة إذا عرفنا كيف نزرع هذا الوعى فى عقل كل إنسان!
والحقيقة أن خلق الوعى بأى قضية هو بداية الطريق إلى التعامل الناجح معها، وفى قضية المياه، على سبيل المثال، ليس مطلوباً أن نقدم للناس الكثير من المواعظ، ولا الكثير من النصائح، ولا الكثير من العبارات الإنشائية والشعارات.. فلقد ثبت أن هذه طريقة لا تقدم، ولكنها بالطبع تؤخر!
فليس مطلوباً أن نظل نطالب المواطن بترشيد استخدامات المياه فى حياته، ولا أن نظل نحيطه بالدعايات التى تدعوه إلى عدم هدر ماء بيته أو مكتبه فيما لا يفيد.. لا.. ليس هذا هو المطلوب بالضبط لأن النصيحة ثقيلة دائماً لدى الغالبية من الناس، وكل ما هو مطلوب أن نجعل وعى المواطنين بقيمة كل قطرة ماء وعياً متطوراً، ومختلفاً، ومتقدماً!
معركة الوعى هى المعركة التى على حكومتنا أن تخوضها مع مواطنيها فى ملف الماء، وأن تدخلها بتخطيط سابق، وبرغبة فى كسبها فى النهاية.. فالوعى هو سلاح كسب كل معركة، وهو الأداة الفاعلة فى كل يد، وهو الذى يجعلنا ننتج ضعف ما ننتجه بكمية الماء نفسها!.