بقلم : سليمان جودة
ربما يلاحظ الذين يتابعون مجرى الأمور فى ليبيا، أن غسان سلامة، المبعوث الدولى إليها، قد غادر منصبه مستقيلاً فى إبريل الماضى، وأن مبعوثاً جديداً لم يحل فى مكانه إلى الآن!.. وربما نلاحظ أن المشكلة ليست فى أنه غادر.. فلقد جاء فى مكانه من قبل خمسة مبعوثين.. ولا المشكلة حتى فى أن مبعوثاً جديداً لم يتم إرساله لإنجاز المهمة التى عجز عنها مبعوثون ستة سابقون!
المشكلة هى فى أن مبعوثاً جديداً جرى ترشيحه بالفعل بعد ذهاب سلامة على الفور، ولكن ما حدث معه كان مفاجئاً بقدر ما كان محاطاً بعلامة استفهام كبرى.. فالولايات المتحدة الأمريكية اعترضت عليه، فصرفت الأمم المتحدة نظرها عن ترشيحه، وتم شطب اسمه مبعوثاً جديداً إلى ليبيا!
المرشح الجديد، أو الذى كان جديداً فى حينه، هو الدبلوماسى الجزائرى العتيد رمطان لعمامرة، وقد كان وزيراً للخارجية فى بلاده!
ولا أحد يعرف لماذا اعترضت إدارة الرئيس دونالد ترامب على الرجل، رغم تاريخه الدبلوماسى الكبير.. فلقد كان وزير خارجية شهيراً فى السابق، وكان مؤهلاً بالتالى للمهمة التى عليه أن ينجزها، وهى دفع الأطراف الليبية المتصارعة إلى الجلوس معاً للتوافق على حل سياسى، لأنه لا حل آخر للقضية هناك!
وكانت الميزة الأهم فى رمطان لعمامرة، أن انتماءه إلى الجزائر يعنى أنه ينتمى إلى دولة كبيرة من دول الجوار المباشر مع ليبيا.. ولا بد أن انتماءً كهذا كان سيجعله حريصاً على جمع الليبيين حول مائدة مشتركة، وكان سيجعله متمسكاً بإنجاز الحل السياسى بأى ثمن.. وكيف لا يحرص ولا يتمسك بينما بلاده لها مصلحة حقيقية فى استقرار الأوضاع على الأراضى الليبية؟!
لا يرغب المرء فى افتراض سوء النية أمريكياً دون دليل مادى محسوس، ولكن تعطيل إقرار الاسم فى الأمم المتحدة من جانب أمريكا.. دون ذكر السبب.. لا بد أن يرسم فى الأفق العديد من علامات الاستفهام!
ليت الولايات المتحدة تتخذ موقفاً إيجابياً واضحاً مما يجرى فى ليبيا، لأنه سيؤثر سلباً على مصالحها فى المنطقة فى النهاية.. ليتها تسمى الأشياء بمسمياتها هناك، فتتحدث عن الوجود التركى المحتل فى الأراضى الليبية، بدلاً من أن تتكلم عن «أطراف خارجية» دون أن تسمى الطرف التركى بالذات!.. ليتها تتخلى عما التصق بها تاريخياً حين قيل عنها، ولا يزال يقال، إنها لا تسلك الطريق الصحيح إلا بعد أن تجرب كل الطرق الخطأ!