بقلم : سليمان جودة
قالت منة الأبيض، مديرة أعمال الدكتورة نوال السعداوى، إنها أوصت بألا يُقام لها عزاء، وأن يمشى وراءها إلى قبرها أبناؤها وعدد قليل من أفراد أسرتها المقربين.. ولا أحد آخر.. ولهذا حملوا جثمانها فى الثامنة مساء يوم عيد الأم إلى مدافن الأسرة فى أكتوبر، ثم عادوا وقد استراحوا واستراحت!
استراحوا لأنهم نفذوا ما أوصت به وحزنوا بالتأكيد لفراقها.. واستراحت هى فى مرقدها لأنها رأت وصيتها يُؤخذ بها كما طلبت!
وفى نعيها قالت ابنتها الدكتورة منى حلمى سطرًا واحدًا ولكنه يغنى عن كل السطور.. قالت: أجمل أم رحلت فى عيد الأم!
ولابد أن وصيتها بعدم إقامة عزاء لا علاقة لها باحترازات كورونا، لأن نوال السعداوى التى عاشت لا تخشى إنسانًا ولا تخاف من شىء، لم يكن ڤيروس كورونا سيخيفها فى حياتها ولا فى مماتها.. إن وصيتها فى هذا الشأن لها علاقة بموضوع آخر تمامًا هو رغبتها فى ألا يتبعها فى مشهدها الأخير أحد ممن عاشوا معها تسعين سنة لا يعرفون وزنها ولا يعطونها حقها!
مرة كلمتنى من تليفونها الأرضى تعلق على شىء كتبته، فلما سألتها عن رقم موبايلها الذى يمكن التواصل من خلاله معها ضحكت وهى تقول إنها لا تحب الموبايل ولا تريده ولا تستخدمه، وإن التليفون الأرضى عندها بكل موبايلات العالم، وإنها تأنس إلى جرسه وتنفر من رنين الموبايل!.. وفى كل مرة كنت أطلبها بعدها كنت أجدها إلى جوار سماعة تليفونها ترفعها وترد وهى تضحك بصوتها المميز الذى لا يمكن أن تخطئه الأُذن.. أو ترد منة الأبيض وتعطيها السماعة!
وكان هذا مما يُضاف إلى دواعى اختلافها عن كل الناس، ليس لأنها كانت تجلس وتخطط لتكون مختلفة، ولكن لأن هذه هى طبيعتها التى عاشت عليها تسعة عقود منذ جاءت إلى الدنيا، ثم رحلت عليها بالدرجة نفسها.. وكانت حكاية الوصية هى أقوى دليل!
روت فى مذكراتها عن سجن النساء أنهم لما جاءوا يأخذونها إلى السجن طلب منها الضابط أن تجلس بينه وبين السائق، فرفضت بتصميم وتمسكت برفضها، ولم يكن هناك مفر من أن تجلس على يمين الضابط بجوار الباب، ثم راحت تشير للناس فى الشارع بيديها على طول الطريق من قلب القاهرة إلى القناطر الخيرية!.. لقد أحست بانتصارها رغم أنها كانت فى الموقف الأضعف فى مشهد عُمره ٤٠ سنة