توقيت القاهرة المحلي 19:26:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس ككل الأيام

  مصر اليوم -

ليس ككل الأيام

بقلم - سليمان جودة

كلما جاء ٣٠ مارس من كل سنة تجدد موعد الناس مع أعذب الألحان، ولماذا لا يكون كذلك وهو اليوم الذى فيه غادر عبد الحليم حافظ دنيانا بعد أن ملأها بالطرب؟

لا أزال أذكر صباح ذلك اليوم من عام ١٩٧٧ كأنه أمس.. لا أزال أذكر أن قارئ موجز أخبار الساعة السادسة صباحًا فى الإذاعة قد استهل أخباره فقال: وفاة عبدالحليم حافظ فى لندن.

قالها مذيع النشرة بصوت ممتلئ بالألم، ولم يكن يدرى أنه بما قاله قد نشر الحزن فى كل مكان، وأن عشاق عبدالحليم عاشوا من يومها ثم بعدها فى حنين لا ينقطع إليه وإلى أيامه، وأنهم أحسوا ولا يزالون بنوع من اليُتم الفنى.. فلا أحد قد ملأ مكانه، ولا أحد إلى اليوم يستطيع أن يقول إنه قد أكمل المسيرة الفنية التى بدأها العندليب ثم راح يرسخها كل يوم.

تقرأ وتتابع ما يسمعه الناس وخصوصًا الشباب هذه الأيام فتأسى، ولا تعرف ماذا يجدون بالضبط فيما يسمعون؟.. فلا كلمة جميلة يمكن أن يحفظها المرء ثم يرددها بينه وبين نفسه، ولا لحن عذب يمكن أن تعتاده الأُذن وتجد فيه الطرب، الذى إذا خلا منه الغناء فإنه يكون قد خلا من كل شىء.. ولا حتى صوت يمكن أن تقول إنه صوت يتميز عما سواه.. لا شىء من هذا كله.. وقد كان هذا كله هو الذى صنع عبدالحليم وبنى له مكانة فى وجدان الناس.

إن الأغنية إذا خلت من الطرب لم تعد أغنية، ولكنها مجرد كلام يردده صاحبه وهو يتنطط كما نتابع، ثم ينساها فى لحظتها هؤلاء الذين يرددونها وراءه بلا وعى.. وربما يكون علينا أن نذكر الآن وفى كل وقت أن الذين كانوا يقدمون عبدالحليم فى حفلاته العامة، كانوا يقولون إنه «المطرب» عبدالحليم حافظ، ولم يكونوا يقولون إنه المغنى عبدالحليم، ولا بالطبع المؤدى عبدالحليم، ولا أى شىء من هذا النوع.

ففى إمكان أى أحد أن يغنى، وفى مقدور أى صاحب صوت أن يؤدى، ولكن لا يستطيع أى أحد أن يُطرب الناس، ولا أن يخاطب الأُذن فتألفه ويستقر فيها، ولا أن تعتاد صوته فتجد فيها ما يغذى حاسة السمع فلا تنفر منه ولا تنساه.

وإذا قيل إن ما يسمعه الناس والشباب فى المقدمة منهم هو ما يريدونه، فهذا كلام فارغ، لأن الذائقة الطبيعية لا يمكن أن تُقبل على سماع ما لا جمال فيه، ولا قيمة، ولا معنى.. لا يمكن.. وكل ما فى الأمر أن هذه أذواق فاسدة، وأنها لهذا تسمع ما تسمعه مما لا لحن فيه، ولا كلمة، ولا صوت، ولكنه مجرد حركات صوتية، أو لحنية، أو كلامية، لا أكثر.

الغناء فى حقيقته طرب، والطرب صناعة، والصناعة فيه تقوم على الصدق فى اللحن، وفى الأداء، وفى الكلمة، وهذا هو الذى صنع عبدالحليم، وهذا هو الذى أبقاه، وهذا هو الذى جعله إذا أطل صوته فى أى وقت على الناس وجدوا أنفسهم يرددون معه ما يقول تلقائيًا، فكأنهم يستجيبون للفطرة فى أعماقهم.. والأهم أنهم يجدون فى ذلك طربًا، ويجدون أنفسهم وقد نقلهم صوته، ولحنه، وكلماته، من عالمهم الذى يعيشون فيه إلى عالم آخر من خيال.. هذا هو السر، وهو من فرط بساطته ليس سرًّا، ولكنه صدق بالأساس، وإحساس فى الأساس أيضًا، وكلاهما هما اللذان يجعلان من يوم ٣٠ مارس يومًا فى تاريخ الفن الباقى ليس ككل الأيام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس ككل الأيام ليس ككل الأيام



GMT 09:41 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 09:40 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 09:38 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 09:37 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 09:36 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 09:35 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 09:33 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 09:32 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:09 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب
  مصر اليوم - تجديد جذّري في إطلالات نجوى كرم يثير الجدل والإعجاب

GMT 08:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة
  مصر اليوم - وجهات سياحية فخّمة تجمع بين جمال الطبيعة والرفاهية المطلقة

GMT 08:53 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث متعددة الأغراض

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 09:29 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان
  مصر اليوم - طهران ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 23:00 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

البيت الأبيض يصف كتاب "بوب وودورد" بأنه "قصص ملفقة"

GMT 09:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار في الديكور للحصول على غرفة معيشة مميزة في 2025
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon