توقيت القاهرة المحلي 22:01:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روى موسى عن السيستاني... وقال الراعي!

  مصر اليوم -

روى موسى عن السيستاني وقال الراعي

بقلم: سليمان جودة

روى عمرو موسى في كتاب مذكراته عن سنواته العشر أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، ما لا بد أن نضعه أمام أعيننا كلما كان علينا أن نتطلع كعرب نحو العراق!
كان موسى في زيارة إلى بلاد الرافدين عام 2005، وكان على رأس جدول أعمال الزيارة أن يلتقي المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني حيث يقيم في مدينة النجف العراقية. وحين انتهت مراسم اللقاء الرسمي بينهما طلب المرجع الشيعي العراقي أن يلتقيا دقائق على انفراد، فكان من الطبيعي أن يغادر القاعة أعضاء الوفد الذي يرافق الأمين العام للجامعة، وأن تخلو قاعة اللقاء إلا منهما!
وما إن خلت القاعة حتى سارع السيستاني يقول: يا سيادة الأمين العام، يا أخي العزيز عمرو موسى، سأقول لك شيئاً أريد أن تتذكره: لا تُلقوا بالعراق في أحضان إيران!
شدّتني العبارة ذات الكلمات الخمس التي قالها الرجل، وأحسست بأننا مدينون باعتذار لصاحبها مرتين: مرة لأننا كثيراً ما ننسى في زحمة الأحداث ما راح هو يوصي به الأمين العام للجامعة العربية قبل 15 عاماً، ومرة لأننا نخطئ كثيراً أيضاً عندما نشير إلى صاحب العبارة فنقول عنه في كل مرة إنه الزعيم الشيعي فلان، من دون أن ننتبه إلى أن هذا التصنيف له أو التعريف به ليس مناسباً ولا معبراً عن واقع الحال!
نخطئ كثيراً حين نقول عنه هذا، ويجب ألا نعود إلى هذا الخطأ في المستقبل، وإذا عدنا كما عدت أنا قبل قليل فعلينا أن نتدارك الخطأ على الفور، وأن يظل المسمى الأنسب لمثل هذا الرجل أنه المرجع العراقي الأعلى، لا المرجع الشيعي الأعلى بأي حال. علينا أن نفعل هذا باستمرار ليس أبداً عن رغبة في التقليل من شيعيته التي ليست سراً بالطبع، ولكن لأنه هو نفسه يقدم عراقيته في كل سلوك له على شيعيته، ويبرهن في كل مرة يتكلم خلالها في الشأن العام على أن الأمر إذا كان أمر انتماء وولاء، فالوطن يتقدم عنده على طول الخط وعرضه ليتأخر كل ما سواه إلى مرتبة تالية!
قال السيستاني هذا المعنى في كل مناسبة ولا يزال يقوله ويؤكده، ولا يجد أمامه أي مناسبة جديدة إلا ويكرره فيها من جديد، لعل المعنى يتحول من كلام إلى فعل في حياتنا. ومن جانبه فإنه كان ولا يزال أول الذين يترجمون قناعاته في هذا الموضوع إلى خطوات يقطعها على الأرض، وأول الذين يمارسون ذلك في بساطة، وفي ثقة، وبلا ادعاء ولا استعراض!
وربما كان هذا هو السبب الذي جعل البابا فرنسيس يحرص خلال زيارته للعراق في الرابع من هذا الشهر، على أن تتضمن جولته في أرض بابل لقاءً مع العراقي علي السيستاني قبل أن يكون الشيعي علي السيستاني. وعندما التقيا في النجف جنوب البلاد، فإنه كان لقاءً نادراً بين صوتين من أقوى الأصوات المعتدلة في المنطقة وفي العالم، وكان لقاءً يدعو إلى تغليب الاعتدال الذي لا نجاة للمنطقة ولا للعالم إلا بأن يسود ويستقر في عقول الناس، وإلا بأن ينتقل من مستوى الرجلين إلى مستوى باقي خلق الله!
صوت مثل صوت السيستاني لا بد أن يعلو في العراق، ونبرة مثل نبرته لا بديل عن أن تكون هي الرائجة في كل موقف، ووصية مثل وصيته لعمرو موسى لا مفر من أن تكون حاضرة في ذهن كل سياسي عربي إذا ما راح يتطلع نحو بغداد!
مرات كثيرة كان هذا المرجع الديني الكبير يوجه حديثه إلى طهران، فكان لا يجد أي حرج في أن يلفت انتباه حكومة المرشد خامنئي فيها إلى أن العراق إذا كان على جوار مباشر مع إيران، فإن هذا الجوار لا يبرر اعتداءً إيرانياً على السيادة العراقية، ولا يبرر تغولاً في شؤون البلد الداخلية من دون وجه حق، ولا يبرر قفزاً من فوق الحدود الفاصلة بينهما بلا استئذان!
ولأن الإيرانيين يعرفون قدره، ويدركون حجم مكانته في بلاده، فإنهم يتلقون نصيحته في كل المرات بصمت، ولا يجربون الدخول معه في حوار ولا في فصال، لأنهم على يقين أنه يقف على أرضية أقوى... ولماذا لا تكون أقوى وهي أرضية وطنية في الأساس؟!
وما يدعو إلى التفاؤل بعض الشيء أن السيستاني قد وجد صوتاً يماثل صوته هذه الأيام في المنطقة، ولم يعد صوتاً يغرّد وحده في اتجاه تقديم الوطن على ما عداه، وفي اتجاه التمسك بالوطنية كقيمة جامعة بين أبناء البلد الواحد، وفي اتجاه حصار واجب لدعوات سارحة لا تقيم للأوطان في منطقتنا وزناً ولا اعتباراً!
هذا الصوت المماثل هو صوت البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي يقف في كل صباح لافتاً نظر الجميع بأعلى صوت إلى أن لبنان يستحق ما هو أفضل، وأن هذا الأفضل لن يكون ممكناً ولا متاحاً إلا إذا علا لبنان فوق أطماع طبقة الساسة فيه!
وقف البطريرك في عظة الأحد 14 من هذا الشهر يقول: الجيش هو القوة الشرعية المنوط بها الدفاع عن لبنان، فلا يجوز تشريع أو تغطية وجود أي سلاح غير شرعي إلى جانب سلاحه!
ويوم خرج البطريرك نفسه في مناسبة سابقة ليقول إن لبنان في أشد الحاجة إلى مؤتمر دولي يتفق اللبنانيون تحت مظلته، ما داموا قد عجزوا عن التفاهم بعضهم مع بعض في غير وجود مثل هذه المظلة، فإنه قد هوجم بما يكفي وبما لا يليق مع رجل يعرض ما يعرضه، وصار الرجل كأنه هو المخطئ، ثم كأن الذين يهينون لبنان في كل يوم هم أهل الصواب!
لا يريد الراعي شيئاً لنفسه في بكركي حيث يقيم، ولا يطمح لموقع ولا منصب من وراء دعوته، ولا يطمع في جاه ولا في مال، ولا يتطلع إلى كرسي في القصر، ولكنه يطمح لما هو أعلى من الموقع وأسمى من المنصب، شأنه شأن كل لبناني يرى بلد الأرز يواجه خطر الزوال، على حد تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، فيتألم، وشأنه شأن كل لبناني يسمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول إن الطبقة السياسية في لبنان لا تستحق بلادها، فيحزن ويأسى. يطمع البطريرك فيما يعيد لبنان الذي عشنا نعرفه بلداً لكل أهله بغير تمييز، والمؤكد أن مثل هذا الطموح إنما يتحرى صالح البلد لا الشخص أياً كان موقع الشخص، ويؤسس بصدق للوطن الباقي، ولا يعمل للفرد الزائل أياً كان حجم هذا الفرد!
وما يدعو إليه البطريرك لا يختلف عن الدعوة التي تبناها القرار 1559 الصادر عن الأمم المتحدة من قبل، وهو قرار لا يعترف في البلد إلا بسلاح واحد هو سلاح الجيش، فلا ينافسه سلاح آخر حتى لو كان هذا السلاح هو سلاح «حزب الله»، ولكن الدعوة هذه المرة صادرة عن رجل لبناني لا مجال للشك في وطنيته، وليست قادمة عبر الحدود بقرار دولي من جهة خارجية!
صوت السيستاني لا بد أن يكون مسموعاً، ليس في العراق وحده ولكن في أرجاء المنطقة وأركانها، وكذلك صوت البطريرك في بيروت، فكلاهما لا تنقصه الشجاعة في التعبير عمّا يجب أن يقال في العلن للناس، ولكن الأهم أنهما لا ينقصهما الاعتدال الذي يبدو كأنه بضاعة تواجه شحاً في الأسواق، أو كأنه طوق نجاه تتشوق المنطقة للإمساك به من أي طريق تصل منه إليه!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روى موسى عن السيستاني وقال الراعي روى موسى عن السيستاني وقال الراعي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:01 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل
  مصر اليوم - مفاوضات غامضة بين محمد صلاح وليفربول وسط تصريحات مثيرة للجدل

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 18:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
  مصر اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 05:09 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تعرف على أبرز وأهم اعترافات نجوم زمن الفن الجميل

GMT 15:04 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

طريقة إعداد فطيرة الدجاج بعجينة البف باستري

GMT 00:45 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

سعد لمجرد يوجه رسالة لـ عمرو أديب

GMT 11:04 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

منة فضالي جمهورها بمناسبة عيد الأضحى
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon