بقلم : سليمان جودة
لا ينافس الملف الإيرانى هذه الأيام على موقع الصدارة في الإعلام إلا الملف الليبى، فكلاهما يحتل المانشيتات والشاشات.. أما الملف الذي راح ضحية الاثنين، فهو ملف الحرائق في غابات أستراليا، التي أعلنت حكومتها أن المساحات المحترقة من غاباتها تساوى مساحة كوريا الجنوبية!
ومع ذلك، فإن أحدًا في العالم لا يكاد ينتبه، على العكس مما حدث نسبيًا مع حرائق غابات الأمازون في البرازيل، أكتوبر الماضى.. فالاحتراق في الحالتين هو احتراق لأكسجين يتنفسه كل إنسان، ولكن لا أحد في عالمنا البائس يهتم أو يبالى!.
وعلى مدى ساعات قليلة مضت، كان ملف ليبيا قاسمًا مشتركًا بين ثمانى دول في المنطقة وبين الاتحاد الأوروبى.. فكانت القاهرة تدعو وزراء خارجية فرنسا واليونان وقبرص إلى اجتماع على أرضها حول الملف.. وكان الاتحاد يستقبل في مقره في العاصمة البلجيكية بروكسل، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس!.. ولا تعرف كيف تكون هذه الحكومة حكومة وفاق، وكيف تتسمى هكذا في المجتمع الدولى، ثم لا تكون قادرة على الخروج من عاصمة البلد إلى أي إقليم آخر فيه؟!.
وكان رئيس وزراء إيطاليا يستقبل في الوقت نفسه المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى، الذي ينتظر دعم العالم للقضاء على ميليشيات تتحصن في العاصمة!.. ولكن أطرافًا في العالم فيما يظهر أمامنا مشغولة بشىء آخر، هو التصارع على نصيبها في ثروات ليبيا من النفط والغاز!.
وكان الرئيس الروسى يزور تركيا، ويجتمع هناك مع أردوغان، ولم يكن ينافس ملف سوريا على مائدتهما إلا ملف ليبيا!.
وكان الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون يستقبل وزير الخارجية التركى، مولود جاويش أوغلو، الذي حاول تصوير موقف الجزائر على أنه اصطفاف إلى جانب موقف بلاده العابث بأمن ليبيا واستقرارها.. ولكن دون جدوى.. فالجزائريون مثلنا تربطهم حدود مباشرة مع الدولة الليبية، ويعرفون بالتالى أن كل ما يقع في ليبيا سوف يكون له صداه المباشر على الأراضى الجزائرية!.
وعندما تتأمل مواقف الدول الثمانى ومعها الاتحاد، سوف لا تجد دولة يهمها صالح الليبيين وفقط سوى مصر ومعها الجزائر بطبيعة الحال.. ربما لأنهما الدولتان الأكثر معاناةً من العنف المتخفى بالدين.. فالجزائر لا تنسى العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضى.. ونحن لا ننسى العنف من هذا النوع خلال فترة ما بعد سقوط الإخوان، وفى فترات متقطعة من سنوات حكم مبارك!.
ولكن بقية الدول لا ترى في ليبيا سوى أنها بئر للغاز والبترول، أو ساحة ممتدة لبسط النفوذ وممارسة درجات من الهيمنة والسيطرة!