بقلم - سليمان جودة
طلبنى مواطن من كفرالشيخ يقول إنه كان، إلى وقت قريب، يقرأ صحيفتين فى كل صباح، إحداهما «المصرى اليوم»، والأخرى صحيفة قومية كبيرة، وأن ارتفاع سعر الدولار وهبوط الجنيه فى المقابل، قد نزل بقيمة راتبه الذى يتقاضاه من الحكومة، فأصبح يقرأ جريدتنا هذه وحدها، واستغنى عن الصحيفة القومية!
والمعنى أننا أمام مواطن لا يستطيع توفير أربعة جنيهات فى اليوم، ليحصل على صحيفتين يفضلهما، فكان لابد من النزول بميزانيته لهذا البند إلى النصف!
وقد كانت له مطالب فى أشياء يريد أن يراها فى صحيفته هذه المفضلة، ليستغنى بها عما سواها من الصحف فى الأسواق.. وقد حملتُها عنه إلى رئيس التحرير!
والأكيد أن هذا المواطن مجرد عينة، بلغة أهل الإحصاء، وأن آخرين كثيرين مثله كانوا يجدون فيما يقرأونه من الصحف يومياً سلوى عن الكتاب الذى أصبح، بحكم أسعار لم يسبق أن وصل إليها، فوق طاقة الغالبية التى ترغب فى القراءة، ولا تملك المال الذى تستطيع به تحقيق ما ترغب فيه!
والذين زاروا معرض الكتاب الأخير، رأوا إلى أين صارت أسعاره، وقد كانوا يمرون، ويُقلبون فى غلاف كل كتاب، ويتفرجون.. وينصرفون!
وإذا كان هذا المواطن قادراً فى محافظة بعيدة على شراء صحيفة، وعاجزاً عن دفع ثمن الأخرى، فأمامه مواطنون آخرون كانوا بالقطع يطالعون صحيفة واحدة، لأن هذه هى حدود مقدرتهم المادية، فأرغمهم الدولار اللعين على التنازل عنها!
ولم يعودوا يقرأون.. لا صحيفة واحدة.. ولا أكثر طبعاً!
والصحيفة اليومية تظل مثل الرغيف بالنسبة لأى مواطن، تريده الدولة على قدر معقول من الوعى بما يجرى فى وطنه، وفى خارج بلده على السواء!
وحرمان المواطن من الصحيفة هو حرمان له من غذاء عقلى يحتاجه، ولا يمكن أن تدعم الحكومة رغيف البطن، ثم تفرط بهذه السهولة فى رغيف العقل!
فإذا نظرنا إلى الموضوع نظرة أوسع، تبين لنا أن دعم الصحافة من جانب الدولة هو دعم لصناعة متكاملة كانت مصر الأسبق فيها على مستوى المنطقة، وكانت ولاتزال صناعة قادرة على حَمل كل قيمة مصرية إيجابية لتنشرها فيما حولنا، ثم كانت ولاتزال أيضاً سفيراً غير معتمد للوطن فى كل اتجاه!
وليس مطلوباً من الدولة شىء، سوى إعفاء مُستلزمات الطباعة كلها من الجمارك، لأن من حق كل شخص من نوعية مواطن كفرالشيخ على حكومته، أن يجد غذاء العقل مُتاحاً أمامه قبل غذاء البطن.. وبالأدق يجدهما معاً إلى جوار بعضهما البعض!
ولكن هذا لا ينفى أن صحافتنا فى أشد الحاجة إلى أن تدعم نفسها أمام قارئها بأن تقدم له خدمة صحفية جيدة يستحقها، ويدفع ثمنها، وينتظرها، فإذا فتش عنها لم يعثر عليها فى كثير من الأحيان!
نقلا عن المصري اليوم القاهريه