بقلم : سليمان جودة
اختارت الدكتورة لوتس عبدالكريم عنوان كتابها الجديد، جرياً على عنوان كان الراحل الكبير أنيس منصور قد وضعه على صدر كتابه الممتع «عاشوا في حياتى» الذي صدر عن المكتب المصرى الحديث!
كتاب الدكتورة لوتس عنوانه: عاشوا معى!.. وهو صادر عن الدار المصرية اللبنانية، ويبدو كأنه استكمال لكتابين لها صدرا عن نفس الدار، أحدهما: رحلة البحث عنى.. الثانى: سيرتى وأسرارهم!
ولابد أن الحظ قد أسعدها فرأت محمد عبدالوهاب، وتكلمت مع توفيق الحكيم، وجلست إلى نجيب محفوظ، وزارت يوسف السباعى، وتطلعت إلى إحسان عبدالقدوس، وأنصتت إلى مصطفى محمود، وتبادلت كلمات مع يوسف إدريس، واستمعت إلى محمد الموجى، وعملت مع أحمد بهاء الدين.. وحين وجدت الفرصة سانحة جلست تكتب عنهم، وعن آخرين غيرهم كثيرين من ذات الوزن والقيمة!
وهى لم تشأ أن تستأثر بما وجدته من فائدة في التعرف على هؤلاء كلهم عن قرب، فراحت تصف رحلتها مع كل قامة منهم على حدة، وراحت تتحسس الطريق إلى بيوتهم من جديد.. ففى مرة كانت تزور ڤيلا السباعى في المقطم، بعد استشهاده في قبرص، وكانت تدور حول الڤيلا بسيارتها، وتتذكر أياماً عرفت فيها ذلك الرجل الذي كان فارساً مع الجميع في حياته!
وفى مرة زارت بيت إحسان على النيل، ودارت في البيت تتذكر أنه كان يجلس هنا، ويتناول طعامه هناك، ويشاكسها مع زوجته في الشرفة التي تطل على النهر الخالد!
أما يوسف إدريس فلقد كان حكاية أخرى.. فلقد كتب يوماً ينعى حظه إذا ما وضعوه إلى جوار حظ الكاتب اليابانى يوكيو ميشيما، الذي انتحر ذات صباح من عام ١٩٧٠ على طريقة «الهارا كيرى» الشهيرة في بلاده، وكان انتحاره يأساً من أن كتاباته لا تؤثر في القراء كما يحب ويتمنى!
كتب إدريس يتساءل إذا كان هذا هو حال كاتب في دولة حازت من التقدم ما حازته اليابان، فماذا يفعل هو ككاتب في بلاد عربية هنا اتخذت من التخلف شعاراً في الحياه؟!.. ولكن يأس يوسف إدريس لم يكن يطول، فيروى في الوقت نفسه أنه ذهب يوماً لإصلاح سيارته التي كان مصباحها الأمامى يتدلى منها، وقد أدهشه أن كل الذين صادفوه على طول الطريق كانوا ينبهونه وكأن المصباح يخص كل واحد فيهم بالذات!
هذه واقعة بسيطة للغاية ولكن معناها رد إلى إدريس الأمل، وعاش يرى فيها أن مثل هذه الجينات الأصيلة في شعب له تاريخنا الممتد، تقول إن يوماْ سوف يجىء فيصبح الحاضر فيه على اتساق مع الماضى العريق!
هذا كتاب يرفع عن القارئ شيئاً من وطأة كورونا الثقيلة!