بقلم : سليمان جودة
إنها قصة دارت وقائعها ذات يوم، بين الحاخام والخنزير والقروى البسيط، الذى كان قد ضاق من وجود الخنزير معه فى البيت، فذهب يبحث عن حل لدى حاخام القرية!.. وكان الحاخام جاهزاً بالجواب، وكانت النصيحة الجاهزة عنده أن على القروى المسكين أن يعود إلى بيته، وأن يأتى بالخنزير ليعيش معه فى الغرفة نفسها.. لا خارجها.. وأن يقضى أياماً على هذا النحو وسوف يرى!
ولأن الحاخام رجل دين، ولأن القروى إنسان من آحاد الناس الذين يسلمون فى العادة بكلام رجال الدين، ولا يناقشونه ولا يفكرون فيه كثيراً ولا قليلاً، فقد أنصت إلى النصيحة تماماً، وصدقها على الفور، وآمن بأن فيها دواءً لما يعانى منه ويتألم!
وعاد إلى البيت سريعاً، وأدخل الحيوان إلى غرفته، ثم راح يبيت ليلته، وأخذ يترقب فيما إذا كان الحال سيتغير أم سيبقى على ما هو عليه.. بات الليلة يتأمل ويأمل أن يجد ما يبحث عنه، وقضى ساعاته يرجو أن يكون على موعد مع حياة من نوع آخر.. حياة يعرف كيف ينام فيها فلا يؤرقه خنزير ولا غير خنزير!
واكتشف أنه انتقل من معاناه إلى معاناه أشد، ومن أسف إلى أسى، ومن ألم إلى وجع، وأن ما وعد به رجل الدين لم يتحقق منه شىء على الأرض.. بل حدث العكس.. فوجوده مع خنزير فى حجرة واحدة قد حول الحياة إلى جحيم، ولا بديل أمامه سوى أن يعود ليسأل النصيحة من جديد.. لا حل آخر ولا طريق مختلف!
وطمأنه الحاخام هذه المرة بأن العلاج على مرحلتين، وأن إحداهما مضت والأخرى قادمة فى اليوم التالى، وأن عليه أن يرجع ليعيد الخنزير إلى ما كان عليه من قبل، وأن يخرجه من الغرفة ويستقل هو بها كما كان فى البداية، وعند ذلك سوف يرى مفعول الدواء!.. ولم يفهم الرجل ولكنه عاد ينفذ النصيحة الجديدة وهو بين اليأس والرجاء، وحين أخرج الخنزير تنفس بعمق ونام فى هدوء، وعرف الراحة التى لم يعرفها منذ أدخله إلى غرفته، وسارع يشكر رجل الدين.. ولماذا لا يشكره وقد أرشده إلى الحل الصحيح، ووضع قدمه على أول الطريق الذى عاش ينتظره ويتمناه؟!
ولم يكن شىء قد حدث فى حقيقة الأمر سوى العودة إلى الحياة العادية، التى بدت عند عودتها نعمةً كبيرة لم يدرك القروى قيمتها من قبل!.. وهكذا نحن بالضبط فى هذه اللحظة.. إننا لا نتمنى شيئاً قدر ما نتمنى العودة ما كان قبل الوباء.. وقد كنا لا نراه وقت أن كنا نعيشه ونحياه