بقلم : سليمان جودة
أطلق الفنان فاروق حسنى مؤسسته التى تحمل اسمه للثقافة والفنون، ووقف فى حديقة متحفه فى الزمالك يتحدث عن المؤسسة الجديدة، وعن مجلس أمنائها، وعن مستقبلها الذى ينتظرها، وعن الذين تبرعوا لها، فأعاد إلى الأذهان ذكرى الأميرة فاطمة، ابنة الخديو إسماعيل، التى باعت مصاغها وأرضها لتنشئ جامعة القاهرة عام ١٩٠٨!.. وقد استحقت أن يعيش اسمها منقوشًا على مدخل كلية الآداب إلى الآن!.
ووقف الأستاذ محمد سلماوى يقول إن الأمل يظل فى أن تشع المؤسسة نورًا يليق بمصر، وثقافة مصر، وحضارة مصر!.
وعندما أشار الكاتب الكبير إلى «حضارة مصر» تذكرت أن واحدًا من ملوك مصر الفرعونية وقف ذات يوم يوجه رسالة إلى أمراء المقاطعات التى كانت وقتها كالمحافظات اليوم، فأنهى رسالته بعبارة تقول: وليكن ما يخيف الناس من الأمير أنه يعدل فى حكمه!.
وهى عبارة تنطق بأن وراءنا حضارة قامت على القيم.. وليست المؤسسة الوليدة سوى منصة تريد أن تعيد الحياة إلى كل قيمة إيجابية فى حضارتنا، وترغب فى أن تقول، وهى تمارس هذه المهمة، إن حاضرنا لابد أن يكون امتدادًا متسقًا مع ماضينا الفرعونى وغير الفرعونى المضىء، فلا ينقطع عنه ولا تقوم بينهما فجوة، لعل مستقبلنا يأتى على قدر ما كان فى ذلك الماضى من إضاءات أنارت أرجاء العالم!.
وربما تكون الفكرة الحاضرة فى الموضوع كله هى فكرة العمل الأهلى، الذى ينشأ بتبرعات القادرين، فلا تتدخل الحكومة فيه سوى بالتنظيم ومراقبة الأداء من بعيد.. وما عدا ذلك يبقى جهدًا أهليًا مجردًا من نوع ما كانت الأميرة فاطمة هى الرائدة فيه!.
وفى كتاب تقديم المؤسسة لجمهورها جاءت هذه العبارة: سارت الحياة الثقافية على مدى تاريخها فى مصر مُحلّقة بجناحين: مجتمع أهلى يفكر، ويجرب، ويقترح، ويحلم.. ودولة راشدة تختار، وترعى، وتدعم، وتؤسس!.
والمعنى الأعم أن المقتدرين فى هذا البلد لن يجدوا ميدانًا يبذلون فى سبيله ما يستطيعون من تبرعات إلا ميدان التعليم، وإلا ميدان الصحة، وإلا ميدان الثقافة والفنون.. فجميعها تشتغل فى الأصل على بناء الإنسان وتضعه فى مركز الاهتمام، وجميعها تستثمر فى عقل الإنسان، وجميعها تعرف أنه لا بناء يعطى عائدًا مضمونًا مائة فى المائة على مدى السنين كما يعطى بناء الإنسان.. فالإنسان هو الذى بنى سنغافورة على الصورة التى نراها، عندما بناها «لى كوان يو»، بانى نهضتها ومؤسسها من لا شىء!.
وكان الحشد الذى حضر إطلاق المؤسسة إشارة لا تخطئها العين إلى أن المصرى إذا استشعر الجدية فى أى عمل عام أقبل عليه، ووقف إلى جواره، وأعطاه ثقته، وراهن عليه!.