بقلم : سليمان جودة
أقوى حلقات برنامج «الجريئة وشيخ الحارة» كانت مع الموسيقار حلمى بكر على قناة «القاهرة والناس» مساء أمس الأول!
البرنامج تقدمه الفنانة إيناس الدغيدى على القناه بعد الإفطار، ويكاد يكون البرنامج الوحيد الذى تستطيع أن تتابعه يومياً، لأن فيه إعداداً ممتازاً، ولأن فيه جهداً مبذولاً، ولأن فيه احتراماً لعقل المشاهد، ولأن وراءه رؤية واضحة، ولأن الدغيدى تطل من خلاله على الشاشة، وهى راغبة فى أن تقدم شيئاً مختلفاً للمشاهد، لا أن تملأ مساحات على الهواء بأى كلام!
وعندما يتكلم موسيقار بوزن حلمى بكر فى الموسيقى والغناء، فالإنصات واجب على كل مستمع، لأنه سيجد نفسه أمام رجل هو تقريباً آخر المدافعين عن القيمة فيما يسمعه الناس، وعن أن غياب هذه القيمة هو إفساد للذوق العام يجب أن يقع تحت طائلة القانون!
فى آخر الحلقة كان هذا السؤال موجهاً إليه: هل سيغضبك أن تلحن أغنية ثم لا تلقى نجاح أغنية المهرجانات التى شاعت مؤخراً بين الجمهور؟!
لم يغضب كما توقعت إيناس الدغيدى، ولم ترتفع درجة حرارته كما راهنت وهى تسأل، ولم يسب ويشتم لأن هذه ليست طريقته، ولكنه لفت انتباه الجميع فى هدوء إلى أن المقارنة لا تجوز بين ليلة وبين تاريخ.. بين ليلة تمثلها الأغنية إياها التى لن تلبث حتى ينساها الذين رددوها أنفسهم، وبين تاريخ يمثله هو بكل ما سوف يبقى من ألحانه فى الوجدان الراقى!
وحين عادت تعرض عليه ثلاث صور لثلاثة من أصحاب أغانى المهرجانات، وتطلب منه أن يختار إنقاذ أحدهم، كان اختياره الواضح هو إنقاذ ابنته ذات السنوات الثلاث من غنائهم الردىء.. ومعها إنقاذ كل بنت، وكل طفل، وكل مواطن من وباء الأغانى الهابطة!
والحقيقة أن هذا هو رهان الموسيقار الكبير منذ أول لحن شدا به مطرب أو مطربة، فإيمانه الراسخ هو أن المستمع المصرى ومعه المستمع العربى يستحق أن يسمع ما هو أفضل، ويستحق أن تتشكل ذائقته على ما عاشت تتشكل عليه من أعذب الألحان!
كان انحياز حلمى بكر فى قصة أغانى المهرجانات الأخيرة إلى جوار الغناء النظيف دون فصال، وقد كان هذا هو انحيازه مدى حياته الفنية، وكان يؤلمه ولا يزال أن تصادف أغانى المهرجانات مستمعاً واحداً فى أى بيت، وكان سؤاله الحائر إلى نفسه دائماً: منذ متى كان بيننا مكان للغناء الهابط الذى لا يراعى ذوقاً ولا يحترم قيمة فنية؟!.. هذا رجل من حقه أن يتلقى من الدولة أعلى وسام!