بقلم : سليمان جودة
لا تكاد تصدق أن دولة عضوًا فى الأمم المتحدة مثل إثيوبيا، تتصرف بهذه الطريقة التى تصرفت بها أمس الأول، عندما عرضت على السودان توقيع اتفاق ثنائى حول سد النهضة!
لا تكاد تصدق لأن العضوية فى الأمم المتحدة تعنى بالضرورة أن الدولة صاحبة العضوية هى دولة تتمتع بروح المسؤولية فى مجتمعها الدولى عموماً، ثم فى إقليمها المحيط بها بشكل خاص.. ولكن ما عرضته إثيوبيا بشأن الاتفاق الثنائى الجزئى يخلو تماماً من روح المسؤولية!.
ومن حسن الحظ أن العرض الإثيوبى، المتحلل من كل مسؤولية، قد واجه دولة جادة فى الخرطوم، وصادف رجلاً مسؤولاً فى العاصمة السودانية.. هذا الرجل هو الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، الذى رد على العرض بالرفض الواضح، والذى أبلغ رئيس وزراء إثيوبيا، آبى أحمد، أن الاتفاق حين توقيعه لا بديل عن أن يكون ثلاثياً، وأن الطرف الثالث هو مصر، وأن الحل هو العودة الفورية إلى مفاوضات واشنطن حول السد، التى حلت تسعين فى المائة من النقاط الخلافية فى موضوع السد!
هذا سلوك ممتاز من السودان، وهذا تصرف مسؤول من الجانب السودانى، ليس لأنه ينحاز إلى صفنا أو يصطف إلى جوارنا، ولكن لأنه يقف فى صف واحد مع عدالة القضية، سواء كانت القضية تخصنا أو تخص غيرنا فى مياه النهر الخالد!
وهكذا.. سوف لا تجد الحكومة فى أديس أبابا بديلاً عن العودة إلى مفاوضات واشنطن، التى عقدت جلستها الأخيرة فى مارس الماضى، والتى كان من المفترض أن تشهد التوقيع النهائى بين الدول الثلاث، لولا حدوث غياب مفاجئ للمفاوض الإثيوبى جعل منه طرفاً غير جدير بالثقة!
وقد قطع الدكتور حمدوك خطوة مضافة فى طريق إحساس بلاده بالمسؤولية، فقال وهو يرد العرض الإثيوبى ويرفضه، إن ظروف كورونا إذا كانت تحول دون اللقاء المباشر بين الأطراف الثلاثة، فاللقاء عن طريق «الڤيديو كونفرانس» يحل المشكلة، ويجب أن يتم سريعاً دون إبطاء!
وقبل أيام كانت القاهرة قد ذهبت بالقضية إلى مجلس الأمن، بعد أن أعطت الطرف الإثيوبى كل الفرص الممكنة، وبعد أن اكتشفت أنه طرف يتصرف بلا مسؤولية.. وعندما تلقت إثيوبيا الرفض السودانى، قال وزير الرى فيها إن بلاده أعدت وثيقة رد مناسب على شكوى مصر فى مجلس الأمن!.. ولا أحد يعرف ماذا تقصد إثيوبيا بالرد المناسب علينا، إذا كان السد الذى يمثل لها قضية تنمية يمثل لنا قضية وجود؟!.. تقديرى أن علينا أن نتقدم بمذكرة الى اللجنة المعنية بجائزة نوبل فى السويد، التى منحت آبى أحمد جائزتها فى أكتوبر الماضى.. مذكرة تقول إن هذا هو رئيس وزراء إثيوبيا الذى منحتموه الجائزة فى السلام!