بقلم : سليمان جودة
هذه هى الولايات المتحدة الأمريكية، التى قالوا عنها إنها لا تسلك الطريق الصح فى علاقاتها مع الدول، إلا بعد أن تجرب كل الطرق الخطأ!
ففى ١٩٩٠ التقى صدام حسين مع السفيرة الأمريكية فى بغداد، إبريل جلاسبى، فقالت له- ما معناه- إن ما بين العراق والكويت شأنًا يخصهما، وإن واشنطن لا دخل لها بهذا الشأن.. وقتها كانت العلاقات متوترة بين البلدين العربيين، وكان صدام وهو يستقبل السفيرة جلاسبى يفكر بالتأكيد فى غزو الكويت، فلما سمع هذه المعانى من السفيرة راح يتشجع على ما كان يفكر فيه، ولو سمع منها عكس ما سمع لربما كان قد تراجع عما فعل، وكانت المنطقة قد وفرت على نفسها كل هذا الدمار!
نذكر طبعًا أن واشنطن، التى قالت سفيرتها عنها إنها لا شأن لها بالموضوع، هى نفسها التى راحت بعدها تغزو العراق، ثم راحت تدمر الجيش العراقى الكبير!
وفى وقت الحرب بين العراق وإيران من عام ١٩٨٠ إلى ١٩٨٨ كانت تحرض كل طرف على الآخر، وكانت تمدهما معًا بالسلاح لعل كل طرف يدمر الثانى!
وعندما تصاعدت الخلافات بين الهند وباكستان، قبل شهور، حول إقليم كشمير، راحت الولايات المتحدة تردد النغمة نفسها، التى كانت قد عزفتها على مسمع من الرئيس العراقى، ولو اشتبك الهنود والباكستانيون حول الإقليم لكان تدمير اقتصاد البلدين أمرًا مؤكدًا!
واليوم يعود الرئيس ترامب ليقول إن المصريين إذا نسفوا سد النهضة فسوف لا يلومهم أحد!!.. وهذا كلام من نوع السم المدسوس فى العسل لأن ترامب يعرف أن مصر لم تذكر شيئًا منذ بدء الأزمة عن وجود نية لديها فى هذا الاتجاه، ولأن سيد البيت الأبيض يعرف أنه قادر.. لو أراد.. على دفع الإثيوبيين إلى اتفاق عادل مع القاهرة والخرطوم حول السد فى صباح الغد!.. هو يستطيع صباح الغد، لا بعد الغد، ولكن إدارته لها حسابات أخرى بدَت ظاهرة فى كل جولة تفاوضية جديدة جرت بين الدول الثلاث!
القاهرة لم تتحدث عن نية فى استخدام القوة، ليس عن ضعف ولا عن تفريط فى حقوقها المائية، فالعالم كله يعرف أنها قادرة وأنها لا تفرط، ولكنها تتصرف بالطريقة التى تراها مناسبة لا الطريقة التى تُغريها بها أمريكا!