بقلم : سليمان جودة
البيان الذى صدر عن وزارة الخارجية السعودية صباح الأحد، يستحق أن يُشار إليه بأطول بنان، ويستحق أيضاً أن يظل يوضع فى برواز! وقد توقفت أمامه من جانبى، ورأيت أنه يمثل ترجمة عملية لخطوات وكلمات الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، الذى لما زار عاصمة فى المنطقة، كانت هذه العاصمة هى القاهرة، والذى لما أوصى أبناءه من بعده ببلد محدد على الخريطة.. راح يوصيهم بمصر!
يرحم الله الرجل الذى وحد بلاده كما لم يفعل رجل من قبل على أرضها، والذى لا يزال يراه كثيرون أقرب ما يكون إلى بسمارك، مؤسس الوحدة الألمانية.. لقد أدرك عبدالعزيز بنظر بعيد كان يمتلكه، أن مصر إذا التقت هى والسعودية، فإن ذلك عامل أمان أكبر فى هذه المنطقة التى تضطرب من حولنا!
بيان الخارجية السعودية لم يشأ أن يكتفى بتذكير الجميع فى منطقتنا وفى العالم، بأن الرياض سارعت منذ اللحظة الأولى إلى تأييد «إعلان القاهرة» الذى أعلنه الرئيس السيسى ٦ يونيو، داعياً إلى سلام فى ليبيا يعيدها إلى أبنائها، ويبعد أردوغان عن نهب ثرواتها.. لم يشأ البيان القوى أن يكتفى بذلك، ولا حتى شاء أن يعلن من جديد وقوف المملكة إلى جوار مصر دفاعاً عن أمنها القومى.. ولكن البيان ذهب بكلمات مختارة إلى التأكيد على ما لا يجوز أن ينساه أحد.. قال بحروف منقوشة فى مكانها إن أمن مصر جزء لا يتجزأ من أمن السعودية كلها، وجزء من أمن الأمة العربية بامتدادها!
هذا بيان صادر عن صانع قرار سعودى يرى تماماً حجم المخاطر المتربصة بهذه الأمة.. ومصر والسعودية فى القلب منها.. وهو بيان يريد صانع القرار السعودى فيه أن يلفت انتباه الكافة فى المنطقة وفى العالم، إلى أنه يعنى بالضبط ما يقول!
وعندما يخرج بيان بهذه القوة عن إدارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، فلا بد أن ذلك يعيدنا على الفور إلى موقف تميز بالرجولة نفسها، من جانب الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، حين قامت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ على الإخوان! وقتها أعلن الملك عبدالله بأعلى صوت أن مصر لا تقف وحدها، وأصدر بياناً لا يقل قوةً عن بيان الأحد، ثم أوفد وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل يرحمه الله إلى باريس، ليخاطب الدنيا من هناك ويعلن أن ما يمس مصر، إنما يمس السعودية فى اللحظة نفسها!.
هذه مواقف لا تُنسى على مر الأيام!