سليمان جودة
الأمانة تقتضى أن أقول إن الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، لا علاقة لها بقرض صندوق النقد الدولى، وإن التفاوض مع الصندوق هذه الأيام، حول قرض الـ12 مليار دولار، تقع مسؤوليته على البنك المركزى، أو وزارة المالية، أو عليهما معاً.. أما الدكتورة سحر فلها مهمة أخرى، بحكم موقعها، وهى مهمة قد أعود إليها.
أذهب بعد ذلك لأسأل: لماذا كان مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، وبانى نهضتها التى نراها بأعيننا، على رأس الذين رفضوا قرض الصندوق، مفضلاً العمل ببدائله المحلية الوطنية؟
كان مهاتير أشهر الذين رفضوا علاج الصندوق لأمراض اقتصاد ماليزيا، وكان الرفض وراءه قصة يمكن أن تفيدنا كثيراً فى أحوالنا، ونحن نفاوض الصندوق مرغمين، ثم مدفوعين بسوء الحال اقتصادياً، وليس سراً أنه يستغل ذلك أبشع استغلال ليفرض علينا ما يريد!
سأل مهاتير رجال الصندوق: لو افترضنا.. مثلاً.. مثلاً.. أن العلاج الموصوف منكم لى، ولبلدى، لم ينجح، ولم ينقذنى، ولا أنقذ بلدى.. هل يقع عليكم قدر من المسؤولية عندئذ؟!
قالوا بملء الفم: لا.. إنها مسؤوليتك وحدك فى لحظة كهذه، ولسنا مسؤولين عن أى نتائج سلبية أو أعراض جانبية، فهذا شأنك، وشأن بلدك!.. إننا نصف العلاج الذى نراه، وإذا حدث ومات به المريض، فلا نعرفه، ولا يعرفنا، ولسنا مسؤولين عن موته!
وكانت إجابة من هذا النوع كافية لأن تملأ مهاتير محمد بالشك، وأن يقوده الشك إلى رفض القرض برمته، وإغلاق باب الصندوق كاملاً، والالتفات إلى بدائل محلية، ووطنية، رآها، ثم بدأ العمل بها، وعليها، إلى أن صارت ماليزيا على الوضع الذى نراها عليه.
القصة التى جرت بين مهاتير وبين الصندوق، فيما بعد عام 1980، حين تولى الحكم فى بلده، إلى أن تقاعد فى منتصف العقد الأول من هذا القرن، لها بقية سبقتها، فى بداية سبعينيات القرن الماضى.
فقبل بدء السبعينيات بثلاثة أعوام كان كلام قوى، ومدروس، قد قيل عن أحقية الدول التى تفشل معها وصفة الصندوق، ليس فقط فى الامتناع عن رد قروضه إليه، وإنما فى مقاضاته دولياً، وكان الدكتور على الغتيت، أستاذ القانون الدولى البارز، هو البطل فيها، وما إن قيل ذلك الكلام عن حق الدول فى عدم رد قروض الصندوق، وعن حقها فى مقاضاته أمام محكمة العدل الدولية، إذا فشل علاجه معها، حتى راح الصندوق يحصِّـن نفسه، فلجأ إلى حيلة صار يتبعها مع الدول لا يلجأ إليها، سوى شيطان!