بقلم : سليمان جودة
يعرف الذين يتابعون الأحوال فى تونس أن وزير السياحة هناك اسمه رونى الطرابلسى، وأنه يهودى الديانة، وأن والده جوزيف الطرابلسى يتولى رئاسة الجمعية اليهودية التونسية، وأن هذه الجمعية مسؤولة عن كنيس الغريبة اليهودى فى جزيرة جربة الشهيرة!
وكان مما قاله أيضاً: إن تونس حمت اليهود بهذه الصفة من قبل، وسوف تظل تحميهم، وإن الموقف الذى يعلنه إنما يظل ضد الاحتلال الصهيونى، الذى استولى على أرض فلسطين ولايزال يستولى عليها، ويرفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة!
وحين يشير الرئيس المنتخب إلى حماية تونس لليهود، فهو لا يتحدث فقط عن وضعهم الحالى على الأراضى التونسية، لكنه يريد الإشارة إلى نهايات القرن الخامس عشر الميلادى وما بعده، عندما سقطت دولة الإسلام فى الأندلس.. فوقتها وجد يهود الأندلس أنهم واقعون تحت مطاردة وملاحقة فى كل مكان، فلم يجدوا غير دول شاطئ البحر المتوسط ملاذاً يلجأون إليه، من أول الشاطئ السورى اللبنانى فى الشرق، إلى الشاطئ المغاربى فى أقصى غرب البحر.. وكانت شواطئ تونس جاهزة لاستقبالهم فى منطقة الوسط، بين الشرق وبين الغرب على ساحل المتوسط الممتد!
ولم يجد اليهود الهاربون من الأندلس حيث تقع فى جنوب أوروبا، مظلة من الحماية كما وجدوها فى بلاد العرب المتناثرة على شاطئ المتوسط على امتداده!
لايزال التاريخ يذكر هذا ويسجله، وسوف يظل يذكره ويسجله، ولم يكن الرئيس التونسى الجديد يفعل شيئاً، سوى أنه كان يرغب فى إنعاش الذاكرة، وسوى أنه كان يريد القول بأن هناك فرقاً بين اليهودى الذى يعتنق ديانة من ديانات السماء الثلاث، وبين الصهيونى الذى يعتنق عقيدة سياسية تقبل الاستيلاء على أرض الغير وتباركه!
وإذا كان الرئيس سعيد قد اختار هذه الزاوية مدخلاً إلى الحديث عن قضية العصر فى فلسطين، فلقد كان اختياراً موفقاً للغاية من جانبه، لأنه وضع الأمور فى القضية حيث يجب أن توضع.. وفى مكانها الصحيح!