بقلم : عمرو الشوبكي
النشوة التي أظهرها مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، أثناء زيارته إلى الخرطوم قبل أيام، كانت زائدة على الحد، وقد بدا معها وكأنه ذاهب لوضع السودان في جيبه ثم العودة به إلى واشنطن!.. فالوزير الأمريكى كان في زيارة قبلها إلى إسرائيل، ومن تل أبيب طار مباشرةً إلى العاصمة السودانية، فغرد على تويتر يعلن فرحته بأن هذه أول رحلة طيران من نوعها بين العاصمتين العربية والعبرية!
وعندما وصل إلى هناك، فإن استقباله كان استقبالاً يليق بوزير خارجية الدولة الأقوى في العالم، ولكن ذلك لم يجعل الحكومة في السودان تتراجع أو تخاف، وإنما جعل المسؤولين فيها يتصرفون بالطريقة التي تحفظ لبلادهم كرامتها الوطنية!
وقد ظهر ذلك على أوضح ما يكون في موقفين اثنين، أولهما حين راح بومبيو يطلب من الحكومة البدء في خطوات تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.. وما حدث أن الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الحكومة السودانية، قد أفهم الوزير الأمريكى في هدوء أن حكومته حكومة انتقالية، وأنها جاءت إلى مقاعدها بعد سقوط نظام حكم البشير، وأنها لذلك لا تملك تفويضاً من السودانيين في البدء فيما جاء هو يطلبه!
ولأن كلام الدكتور حمدوك كان منطقياً، وقوياً، ومقنعاً، فإن مايك بومبيو لم يناقشه فيما قاله، ولم يكن يملك سوى أن يهز رأسه على سبيل الموافقة على ما يسمعه! حصل هذا رغم أن الفريق عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادى الانتقالى الحاكم في السودان، كان في فبراير قد التقى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وكان اللقاء في أوغندا، وكان قد جرى النظر إليه على أنه خطوة تمهد لما بعدها في طريق محدد!
وكان الموقف الثانى أن حمدوك لفت انتباه وزير الخارجية الأمريكى، إلى أن الفصل بين رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، والبدء في خطوات التطبيع مسألة واجبة.. وكان المعنى أن الأمريكان لا يجب أن يقايضوا السودانيين على أساس أن هذه بتلك! هذه شجاعة سياسية تُحسب للحكومة في السودان، ويُحسب لها أن تمسكت بما تراه رغم موقفها الاقتصادى الصعب!.