بقلم : سليمان جودة
إذا كان قد فاتك أن تقرأ مذكرات سعد باشا زغلول، فلا أقل من أن تطالع كتاب الدكتور هشام قاسم عنها. الكتاب صدر عن دار لوتس للنشر والتوزيع بعنوان «سعد زغلول.. الأيام الأخيرة قبل الثورة» وقدم له الكاتب الأستاذ محمد الشافعى.
أما مذكرات سعد باشا فقد صدرت عن هيئة الكتاب فى عشرين جزءًا، وأما الذى حققها وأشرف على إصدارها فهو الدكتور عبد العظيم رمضان. ومنها سوف تفهم أن سعد باشا كان يكتب يومياته باستمرار، ولكنه لم يشأ أن تخرج مذكراته إلى النور فى حياته، فطلب أن يكون ذلك بعد أن يغادر الدنيا، وقال هذه العبارة: «ويل لى من الذين يطالعون من بعدى هذه المذكرات».
ولأن الدكتور هشام درس الطب والفلسفة معًا، فإنه قد بدا وهو يدرسهما وكأنه راغب فى فهم الإنسان والكون معًا.. ومن خلال دراسته الطب «راح يتطلع إلى سعد باشا، وكان تركيزه على سعد الإنسان» لا الزعيم. ففى المذكرات سوف نرى سعدًا وهو يأكل ويشرب ويعيش مع الناس ويمشى فى الأسواق، وسوف نراه وهو ينام فيقول إنه يأوى إلى الفراش عشر ساعات فى اليوم: ساعتين بالنهار وثمانى ساعات فى الليل.
سوف نراه فى لحظات الضعف لا لحظات القوة التى عرفناه بها طوال الوقت، وقد وصلت قوته ونفوذه بين المصريين إلى حد أن عدلى يكن باشا لما ذهب يومًا يتفاوض على الاستقلال مع الإنجليز رفض المصريون.. فلم يكونوا يتصورون أحدًا سوى سعد يفاوض.. ولذلك قالوا: «الحماية على يد سعد ولا الاستقلال على يد عدلى».
وقد خصص الدكتور هشام صفحات طويلة لحكاية سعد باشا مع لعب الورق، وهى حكاية يتجنب محبو سعد التوقف عندها، ربما لأنهم يشعرون بأنها تخدش صورة الباشا الأسطورية. ولكن الحقيقة أنها تصوره فى جانبه الإنسانى الذى لا يخلو منه أى سياسى فى حجم زعيم الوفد.. كان سعد يضيق جدًا من إصراره الشديد على مواصلة لعب الورق، وكان يؤنب نفسه باستمرار، وكان كلما قرر التوقف عاد إلى اللعب من جديد، وكانت زوجته صفية تبكى فى كل مرة وترجوه، وكان هو يعطيها وعدًا، ولكن ضعفه الإنسانى كان يغلبه فى الكثير من المرات، وقد بلغ ضعفه أمام هذه اللعبة إلى حد أنه ذهب مرة يقترض من البنك ليسدد خسائره من وراء اللعب.
يلجأ المؤلف إلى الأديب الروسى ديستويفسكى الذى قال فى رواية شهيرة له، إن اللاعب فى مثل هذه الحالة يسيطر عليه وَهْم أنه قادر فى النهاية على تعويض خسائره، فيظل يلعب على أمل، ويظل كأنه سيزيف فى الأسطورة اليونانية الذى كان كلما رفع الصخرة إلى قمة الجبل، تدحرجت منه إلى السفح فعاد يرفعها من جديد.. وإلى الأبد.
سترى سعد باشا وهو يتصرف ويتكلم على سجيته، وستراه وهو لا يدارى طبيعته الإنسانية فى حياته اليومية، فإذا جاء ليفاوض الإنجليز، أو يتكلم باسم المصريين، أو يمارس العمل السياسى، انقلب إلى أسد بكل معانى الكلمة.