بقلم: سليمان جودة
سألتنى شابة جزائرية: لماذا نفهم نحن فى الجزائر اللهجة المصرية، ولا تفهمون أنتم فى القاهرة اللهجة الجزائرية إذا تحدثناها معكم؟!.. كانت تسألنى فى حيرة، وكانت تبحث عن إجابة لديها ولا تجد، وكانت على حق فى حيرتها التى بدت واضحة على ملامح وجهها!
كانت هى تسألنى هذا السؤال، وكان صوت أم كلثوم يملأ المكان، وكان صوت سيدة الغناء العربى يحمل الإجابة على سؤال الشابة الجزائرية دون أن تدرى.. فالمسلسلات المصرية، والأغانى، والمسرحيات، والأفلام.. كلها جعلت كل مواطن عربى وكأنه يقيم فى القاهرة بين أهلها!
ولايزال عشق أم كلثوم لدى الجزائريين بلا حدود، ولا يماثله إلا عشق عبدالحليم حافظ فى المغرب، وإلا عشق هانى شاكر فى تونس الخضراء!
وعندما جاءت وردة الجزائرية إلى قاهرة المعز لم تشأ أن تغنى بلهجة بلادها، ولكنها غنت باللهجة المصرية، وتزوجت العبقرى بليغ حمدى، وكانت فى المقدمة من المطربات والمطربين الذين غنوا لنصر أكتوبر المجيد.. كان للجزائر نصيب كبير فى تحقيق النصر، وكانت وقفة الرئيس الجزائرى هوارى بومدين معنا فى أثناء حرب ١٩٧٣ على قدر كبير من الرجولة والشهامة.
ومما رواه لى اللواء عبدالسلام المحجوب، محافظ الإسكندرية الأسبق، أنه كان ذات يوم فى زيارة عمل إلى الجزائر، وأنه التقى مع الرئيس الجزائرى فى قصر المرادية فسمع منه قصة طريفة للغاية!
روى الرئيس للواء المحجوب، يرحمه الله، أنه قد جاء وقت على الجزائر كان أى لص يستطيع فيه السطو على أى بيت فى وقت عرض المسلسل المصرى بالذات.. ولما أبدى المحجوب دهشته أضاف الرئيس، وهو يكمل الحكاية، أن الأسرة الجزائرية كانت تتحلق بكاملها أمام التليفزيون، ولم تكن تنتبه إلى شىء إلا إلى أحداث المسلسل، وكانت الأحداث على الشاشة أمامها تستولى على اهتمامها وتستغرقها إلى أبعد حد.. وكان هذا بالطبع مما يمكن أن يغرى أى لص بسرقة البيت!
رويت من جانبى هذه الحكاية الحقيقية للشابة الجزائرية فاندهشت جدًا، ولم تكن تعرف أن هذا هو السبب الذى يجعلنى أجد صعوبة فى فهم لهجتها، ولا تجد هى الصعوبة نفسها فى فهم لهجتى.. والمعنى أن سلاح الفن بوجه عام لايزال هو أقوى سلاح، وكذلك لاتزال الثقافة بمفهومها الشامل!.