بقلم سليمان جودة
إذا كنت أنت من مشاهدى التليفزيون فإننى أدعوك إلى أن تتوقف قليلاً أمام قناة «ماسبيرو زمان»، سوف ترى إلى أى حد انحدر بنا الحال فنياً، حين تقارن بين ما كانت هذه القناة تعرضه على مشاهديها طوال رمضان، ولاتزال، وبين ما أغرقت به سائر القنوات، بيوت المصريين، من مسلسلات غاية فى السوء على مدى الشهر!
وإذا كانت هناك تحية واجبة فى هذا المقام، فهى للسيدة صفاء حجازى، التى أطلقت «ماسبيرو زمان» قبل شهر الصيام بأيام، فكانت ملاذاً طوال ثلاثين يوماً للذين ساءهم أن تروج مسلسلات هذا العام، فى غالبيتها الكاسحة، لكل ما هو سلبى بين المواطنين.. بينما حكومتنا بأجهزتها المختصة تتفرج مع مواطنيها قليلى الحيلة!
وليست الدعوة لمشاهدة هذه القناة تحديداً دعوة إلى الماضى، بقدر ما هى دعوة إلى مشاهدة كل ما يحمل قيمة إيجابية إلى الناس، وكذلك ما هو حريص على أن يرتقى بأذواق ومشاعر المشاهدين، بدلاً من مسايرتها، بحجة أن هذا هو ما يريده مشاهدونا فى هذا العصر الردىء!
وأخشى أن يقف الذين يحققون الأرباح الوفيرة من وراء عرض الأعمال الهابطة علينا فى طريق هذه القناة الوليدة، فتنطفئ أنوارها مبكراً، وينفرد كل ما هو هابط بعقول المصريين، ويشكلها بالتالى على طريقته!
لن أعدد ما تعرضه «ماسبيرو زمان» من مسلسلات وبرامج وأفلام.. فكلها موجودة على شاشتها لمن شاء العودة إليها، ولكنى فقط أنبه إلى أن المعروض عليها ينطق بأن الدولة كانت فى وقت من الأوقات تعرف تماماً أن تشكيل عقول أبنائها من بين مسؤولياتها، بل هو مسؤوليتها الأولى، وأنه لا يجوز لها كدولة أن ترى بعينيها أن عقول رعاياها يجرى تشويهها فى كل لحظة، على أيدى أصحاب المال، ثم تسكت هى وتتفرج.. لا يجوز، لأنها دولة، ولأنها مسؤولة، ولأن هذه هى مسؤوليتها التى لا بديل عن أن تنهض بها، ولا تتركها لغيرها أبداً!
كنت أتابع على هذه القناة الجديدة البديعة حلقات من مسلسل «بنك القلق» المأخوذ عن قصة توفيق الحكيم، ثم أتحول عنها، إلى أى قناة أخرى، فأشعر وكأنى هبطت من السماء إلى سابع أرض، وأسأل نفسى: إذا كان هؤلاء الذين استولوا على عقول الملايين، بامتداد شهر كامل، يفتقدون أى إحساس بأى مسؤولية إزاء الجمهور، فأين الدولة.. أين؟!
طبعا هذا لا ينفى أن السخائم التى استقبلها المشاهدون 30 يوماً كانت تضم استثناءات جميلة قليلة، من بينها مسلسل «فوق مستوى الشبهات» الذى أرادت الفنانة يسرا، أو الدكتورة رحمة، أن تقول فى مشهده الأخير إن الشر لا ينتصر فى كل الأحوال، حتى وإن كان قد علا فى كل حلقة من الحلقات، ومن بينها أيضاً مسلسل «هى ودافنشى» الذى روجت النجمة ليلى علوى، أو «كرمة»، فى مشهد الختام منه للحب، باعتباره قيمة باقية بيننا.. أو هكذا يجب أن تكون!.