بقلم : سليمان جودة
أحمل رجاءً حاراً من الأستاذ غسان البلبل إلى وزير الأوقاف، الدكتور مختار جمعة، بأن يعمم على خطباء الجمعة منشوراً يفيد بأن الدين أغلبه معاملات لا عبادات، وأن الخطبة يجب في كل أسبوع ألا تخرج عن هذا الإطار، وأن تظل تخاطب المصلين من داخله كإطار شامل!
فالأستاذ غسان، عضو مجلس إدارة غرفة الصناعة والزراعة والتجارة في بيروت، لكنه يعمل في مصر ويقضى الكثير من وقته فيها، ويذهب لصلاة الجمعة شأن أي مسلم، ويتمنى لو أن كل خطيب في كل جامع قد خاطب الناس عما بينهم من معاملات يومية، أكثر من خطابه معهم عن الصلاة، والصيام، والجنة، والنار!
وذات مرة ضاق الرجل بكثرة حديث خطيب المسجد عن عبادات كل واحد في الصباح والمساء، لا عن معاملاته مع الآخرين، فقصد مكتب الخطيب في الجامع قبل دقائق من صلاة الجمعة، ورجاه أن يكلم الناس في ضرورة أن يتعامل كل شخص فيهم مع الآخر بما أمر الله تعالى، وبما أمر رسوله الكريم، في أمور المعاملات بالذات، بدلاً من أن يظل يكلمهم طول الوقت عن أهمية أن يصوموا، وأن يصلوا، وأن يذهبوا إلى الحج والعمرة!
وقد استجاب خطيب المسجد فراح يومها يتحدث عن الأمانة في تعاملات المواطنين مع بعضهم البعض، وعن الصدق في القول، وعن مراعاة حقوق الجار، وعن الوفاء باعتباره قيمة في التعاملات، وعن العطف الذي لا بديل عن أن يكون لغة يتكلمها كل مسلم مع الآخرين، وعن العدل، وعن الرحمة!
إن اليابان التي أرسلت وفداً منها في بداية ستينات القرن العشرين، ليرى ماذا فعل المصريون في طريق التقدم، قطعت أشواطاً طويلة أمامنا، وكان ذلك راجعاً إلى أنها خصصت السنوات الخمس الأولى من تعليمها للتركيز على مادة الأخلاق!
وهى قد قررت هذه المادة بالذات على تلاميذها، ثم ركزت عليها، لأنها تعرف أن هذه السنوات هي السن التي يتشرب فيها التلميذ كل قيمة إيجابية في حياته، وهى السن التي تقوم عليها حياة الشخص كلها، وهى السن التي تبدو كأنها أساس بناية ترتفع في السماء عالياً، مادام أساسها يحمل ويتحمل!
وفى تراثنا الذي نحفظه أن عمر بن الخطاب سمع رجلاً يمتدح شخصاً، فسأله: هل تعاملت معه؟!.. أجاب: لا!.. فعاد ابن الخطاب يسأله: لعلك رأيته يطيل الصلاة؟!.. قال: نعم!.. وفى النهاية لخص الخليفة عمر القصة كلها فقال للرجل: أنت لم تعرفه!
وكان المعنى أن الدين «معاملات» قبل كل شىء، وأن المساجد لابد أن تحمل هذه «الرسالة» إلى جماهيرها في خطبتها كل أسبوع، فتمنحهم الطاقة التي يتحركون بها إلى أن يأتى الأسبوع التالى.. وهكذا على مدار السنة!