بقلم : سليمان جودة
أتصور أن وزارة الخارجية المصرية مع باقى الأجهزة المعنية قد راحت تطالع بيان البيت الأبيض حول مفاوضات سد النهضة، التى تضمنا مع السودان وإثيوبيا، بينما لسان حالها.. الخارجية والأجهزة.. يقول إن هذا ليس هو ما كنا ننتظره من حليف فى البيت الأبيض وصديق!
فالمتحدثة باسم البيت الأبيض قالت، الجمعة الماضى، إن بلادها تدعم الدول الثلاث للتوصل إلى اتفاق تعاون دائم، فى إطار يحقق تبادل المنفعة بشأن تشغيل السد، وإن جميع دول وادى النيل لها الحق فى التنمية والازدهار، وإن جميع الأطراف مدعوة إلى بذل جهود تتسم بحسن النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ الحقوق!
وعبارات البيان كما ترى ليست فقط من النوع الإنشائى، التى يستطيع أى تلميذ ابتدائى كتابتها فى موضوع تعبير يحصل فيه على عشرة من عشرة، لكنها عبارات تساوى بين مواقف الأطراف كلها، وتتعامل معها وكأن موقف مصر فى المفاوضات هو ذاته موقف إثيوبيا!
يبدو هذا واضحًا جدًا فى العبارة التى تدعو كافة الأطراف إلى بذل جهود تتسم بحسن النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ الحقوق!
إنها عبارة تدل على أن البيت الأبيض لا يتابع الملف بشكل جيد، ولا بأى شكل، ولا يعرف أى الأطراف بالضبط يتحلى بحسن النية، وأيها لا يتحلى بحسن النية.. وإلا.. فهل هناك درجة من عدم حُسن نية على المستوى الإثيوبى أكثر من أن يأتى رئيس وزرائهم، آبى أحمد، زائرًا إلى القاهرة، فيتعهد بألا تضارّ مصر فى حصتها المائية، ثم نُفاجأ فى جولات المفاوضات الأخيرة بأن تعهداته قد تحولت كلها إلى سراب؟!
وهل هناك فى المقابل درجة من حُسن نية من جانبنا أكثر من أن يطير الرئيس إلى الخرطوم فى مارس 2015، ويضع توقيعه على اتفاق المبادئ مع رئيس الوزراء الإثيوبى والرئيس السودانى؟!
لقد مضت الحكومة الإثيوبية فى عملية بناء السد بناء على ذلك الاتفاق، حتى وصلت فيه، حسب آخر تصريح لها، إلى 68% منه تقريبًا!!.. ولولا اتفاق المبادئ ربما ما كانت قد استطاعت أن تمضى فى عملية البناء خطوة واحدة، وربما كانت الآن لاتزال تتحرك فى مكانها!
شىء من هذا لا تجده فى بيان البيت الأبيض، ولا تقع له فى البيان على أى أثر.. فهو بيان شكله حلو، لكنه بلا مضمون يقف عليه!.. وربما يكون هذا هو السبب الذى دعا مصر إلى القول بأنها تتطلع إلى دور «فعال» من واشنطن.. لعل العاصمة الأمريكية تنتبه إلى أن الكلمة التى بين الأقواس تعنى تجاوز خانة الكلام إلى مربع الفعل!
لعنة الله على مبادئ الدبلوماسية وقواعدها المرعية، التى أتخيل أنها منعت «الخارجية» من التعقيب على البيان الأمريكى بما يجب وبما يستحق!