بقلم : سليمان جودة
المعركة التي دارت بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومستشاره السابق للأمن القومى، جون بولتون، لابد أن تستوقفك، ليس لأن الألفاظ المتبادلة بينهما بدت مثيرة فعلاً، ولكن لأسباب أخرى ليس من بينها اتهام ترامب لبولتون بأنه كذاب، ولا اتهام بولتون لترامب بأنه ليس على كفاءة للحكم!
فالمستشار السابق قضى شهوراً يعمل إلى جوار ترامب في البيت الأبيض، وكان في المكان الذي شغله ذات يوم هنرى كيسنجر لدى إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون، وحين غادر بولتون منصبه جلس يكتب التجربة وأصدرها في كتاب نزل الأسواق ٢٣ يونيو!
ولكن الرئيس الأمريكى قاتل في سبيل عدم ظهور الكتاب، لأنه يضم في تقديره أسراراً تتعلق بالأمن القومى للولايات المتحدة.. غير أن هذه ليست الحقيقة كلها.. فالكتاب ينشر أسراراً بشهادة القاضى الذي طلبت إدارة ترامب منه وقف النشر.. هذا صحيح.. ولكن السب الأول وراء رغبة فريق ترامب في وقف إصداره، هو خوفهم من تأثيره السلبى على مركز الرئيس، عندما يخوض السباق الرئاسى أمام جو بايدن في نوفمبر المقبل!
اللافت أن القاضى اعترف صراحةً بأن في الكتاب أسراراً تتصل بقضية أمن أمريكا القومى، ثم سمح بنشره بعد أن راح يؤنب المؤلف.. وهذا أول شىء يستوقفك.. أقصد احترام حق المواطن في أن يعرف، لأن المعرفة تمثل قوة في النهاية، وعندما يكون المواطن على معرفة، فهو مواطن قوى بالضرورة، والوطن.. أي وطن.. هو حاصل جمع مواطنين أقوياء!
والشىء الثانى الذي يستوقفك أن أحد مساعدى ترامب أشار، في أثناء حديثه عن الكتاب، إلى أن بولتون سوف يكسب من ورائه الكثير!
والمعنى أنه كتاب سوف يوزع الملايين من النسخ في بلاده بالذات، ثم خارجها في بلاد كثيرة حول العالم.. ولكن انشغال ترامب به إلى حد الهوس هكذا، معناه أن قراءته سوف تكون على نطاق واسع، ومعناه الأهم أن القراءة هناك لاتزال لها مكانها في حياة الناس بقوة.. إننا نتحدث عن قراءة كتاب، لا عن مطالعة صحيفة يومية، ولا عن تصفح مجلة أسبوعية!
القراءة الورقية لاتزال عادة متأصلة وراسخة عندهم على عكس ما يروجه البعض بيننا، وتستطيع أن تلاحظها في عربات المترو هناك وفى المواصلات العامة.. والموبايل بكل تطبيقاته لم يهزم الكتاب!.. ولكننا هنا لانزال نجادل في هذه الحقيقة، ربما لأننا كسالى في العموم، وربما لأن الغالبية بيننا لاتزال تقضى من الوقت على الفيس أضعاف أضعاف ما تقضيه مع الكتاب!