بقلم : سليمان جودة
وراء المشهد الحالى فى تونس تفاصيل مهمة، لابد من التوقف أمامها لأنها تساعدنا فى فهم أبعاد ما جرى هناك.. ففى السباق إلى قصر الرئاسة فى قرطاج، رشحت حركة النهضة الإسلامية عبدالفتاح مورو، نائب رئيسها، الذى خاض المعركة ضمن 24 مرشحًا، وجاء ترتيبه فى المركز الثالث عند إعلان نتيجة الجولة الأولى، وخرج بالتالى من السباق!
وفى الجولة الثانية والأخيرة، أعلنت الحركة أنها تؤيد المرشح قيس سعيد، أستاذ القانون، الذى نافس نبيل القروى، رجل الأعمال والإعلام!.. وقد فاز «سعيد» وصار رئيسًا.. والسؤال هو: ماذا لو أيدت الحركة نبيل القروى؟!.. الإجابة أنه كان سيفوز فى الغالب!
والمعنى أن الحركة، رغم سقوط مرشحها، سيظل لها نصيب معلوم فى قصر قرطاج لأنها أيدت المرشح الفائز علنًا، ولأنه يعرف تمامًا أنه إذا كان قد نجح لأسباب كثيرة، فأهم الأسباب ربما يكون دعم حركة النهضة ووقوفها وراءه بقوة!.. وفى معركة رئاسية سابقة كانت «النهضة»، التى يترأسها راشد الغنوشى، قد فعلت الشىء نفسه عندما أيدت المنصف المرزوقى، فأصبح رئيسًا.. لكنها أيدته سرًا دون إعلان!
هذا عن قصر قرطاج، حيث مكتب الرئيس الفائز لخمس سنوات قادمة.. فماذا عن قصر القصبة، حيث مقر رئيس الحكومة التى يشكلها الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد فى البرلمان؟!
الإجابة أن حركة «الغنوشى» سيكون لها نصيب معلوم فى هذا القصر أيضًا، وبنسبة أعلى من نصيبها فى قصر قرطاج!.. لماذا؟!.. لأنها ناورت منذ البداية بطريقة تجعل الكثير من أمور القصرين فى متناول يدها، فرشحت «مورو» فى سباق الرئاسة، وهى تعرف أن فرصته فى الفوز ليست مؤكدة، ثم رشحت رئيسها نفسه فى البرلمان، وهى مدركة أن الفرصة فيه أعلى!.. وعند إعلان نتيجة البرلمان جاءت فى المركز الأول، وحصلت على 52 مقعدًا من 217، بينما حصل حزب «قلب تونس»، الذى يترأسه «القروى»، على 38، وجاء فى المركز الثانى!
صحيح أنها فى حاجة إلى 119 مقعدًا لتشكيل الحكومة، وصحيح أن «القروى» أعلن أنه لن يتحالف معها أبدًا، لكنها فى كل الأحوال ستظل صاحبة الكتلة الأكبر برلمانيًا، وستحصل على تكليف بتشكيل الحكومة الجديدة، وسوف تشكلها بالتحالف مع عدد من الأحزاب!
وقد كانت تعمل على هندسة الأمور بهذا الشكل منذ اللحظة الأولى لانطلاق الانتخابات بنوعيها لأنها كانت تعرف أن صلاحيات رئيس الحكومة دستوريًا أوسع من صلاحيات الرئيس، فجعلت عينيها على الصلاحيات فى حكم تونس، وراحت تهندس السبيل إليها من أقصر طريق!