بقلم سليمان جودة
حضرت فى دبى، صباح أمس، افتتاح منتدى الإعلام العربى، الذى ينعقد فى هذا الموعد من كل سنة، ويشارك فيه ما يقرب من 2000 خبير، ومفكر، وصحفى، من أنحاء عالمنا العربى.
وفى كل عام، يصمم المنتدى على أن يجدد نفسه، وعلى أن يضيف فى ملف الإعلام عموماً ما يراه جديداً.
ومن بين الجديد فيه هذا العام، أنه خصص جانباً كبيراً من نشاطه الممتد يومين للأبعاد الإنسانية فى الإعلام، وكيف يمكن أن يكون إنسانياً وهو يمارس دوره فى مجتمعه، ثم كيف يكون فى خدمة الإنسان وقضاياه طول الوقت.
وبخلاف النقاش حول البُعد الإنسانى فى الإعلام، قرر المنتدى أن يطلق على قاعة من قاعاته مسمى فريداً هو «الممشى الإعلامى»، وتقوم فكرته على أن المشارك فيه من ضيوف المنتدى سوف يضع سواراً ذكياً حول معصم يده، ثم يمشى لمسافة إلى أن يصادف جهازاً فى طريقه، وعندها سوف يمرر السوار فى الجهاز، ليدفع 170 درهماً عن كل مائة متر يمشيها!.. أما عائد هذا كله فسوف يذهب لحساب أبحاث أمراض القلب والشرايين، والسرطان، والسمنة، فى المنطقة العربية!
فكرة رائعة وجديدة، وأظن أنها لا تدعم أبحاث العلم فى منطقتنا فقط، ولكنها تعيد إحياء أهمية فكرة أخرى، هى فكرة المشى فى حياة كل واحد منا، فى عصر أصبح الإنسان فيه يتكاسل عن أن يقوم ليغير مؤشر التليفزيون فى بيته من قناة لقناة، لأن الريموت كنترول يؤدى هذه المهمة نيابة عنه!.
والممشى فى منتدى دبى لا يدعم فكرة المشى وضرورته فى حياتك وفقط، أيضاً، ولكنه يقصد إلى أن يلفت انتباهنا إلى أن شيئاً فى حياتنا إذا كان يستحق الدعم الحقيقى وينتظره، فهذا الشىء هو العلم بكل أشكاله، وهو أبحاث العلم بكل صورها!
وحين قرأت عن الفكرة، عند بدء أعمال المنتدى، ثم رأيت تطبيقها على الأرض، تذكرت على الفور كلام الدكتور صبرى الشبراوى، الذى انقطع صوته من طول التنبيه إلى خطر أن تظل الدولة عندنا تدعم البطون، من خلال دعم رغيف العيش، ثم لا تدعم العقول فى الوقت ذاته!.
فلا أحد ضد أن ندعم الرغيف لمن يحتاجه، ويعجز عن شرائه، لا أحد ضد هذا، بشرط أن يكون دعماً فى مكانه، وأن يصل لأصحابه فعلاً، وبشرط آخر أهم هو أن ندعم العقل فى بلدنا ونحن ندعم البطن، لأن طول دعم البطون دون العقول قد أنتج لنا مواطنين بلا عدد، تكبر أجسادهم، وتطول، وتتضخم وتتوقف عقولهم فى نموها عند مراحل الطفولة!
ما يقول به ممشى دبى، ويطبقه، قال به الدكتور الشبراوى من قبل، ومراراً، فبدا أمام نفسه، وأمام الآخرين، وكأنه يخاطب نفسه أيضاً، أو كأنه يتكلم مع ذاته، أو كأن البلد لا يهمه دعم عقول أبنائه فى شىء.. لأن دعم بطونهم هو الذى يشغله كبلد، ويشغل القائمين على أموره العامة!
دعم العقول استثمار فى المستقبل، ودعم البطون ضائع فى أغلبه، وبلا أى عائد فى مستقبلنا، ولايزال الدكتور صبرى يوقظنا من غفلتنا ولسان حاله يقول: يا خسارة ما تعلمته فى الولايات المتحدة وتصورت أن بلدى سوف يوظفه لصالحه!.