بقلم : سليمان جودة
وجوه الشبه بين مدينة أسوان وإفريقيا تبدو كثيرة، ولا توجد مدينة على خريطة بلدنا تغلب عليها الملامح الإفريقية إلا هذه المدينة الجنوبية الجميلة.. ولا تزال أسوان تبحث عمن يترجم الدعوة الرئاسية الخاصة بها من نداء أطلقه الرئيس ذات يوم من فوق أرضها، إلى فعل حى من لحم ودم!.
والنداء كان أن تصبح المدينة عاصمة للثقافة والاقتصاد في إفريقيا، وكان إطلاقه في أثناء إحدى دورات منتدى الشباب التي انعقدت هناك!.
ومن بين عناوين «منتدى السلام» الذي أنهى أعماله قبل ساعات على نيلها الخالد، استوقفنى العنوان الذي يتحدث عن: إسكات البنادق في إفريقيا!.
والعنوان يحمل دعوة إلى داخل القارة الإفريقية التي ننتمى إليها، ويُطلق تحذيرًا خارجها في ذات الوقت.. فهو يحمل دعوة إلى أن تغادر القارة السمراء أيامًا مضت كانت فيها ميدانًا للقتال، إلى أيام حاضرة تصبح فيها طريقًا يصل بها إلى حياة أفضل!.. ثم يُطلق العنوان تحذيرًا إلى بلاد الغرب لعلها تنتبه إلى أن هذه القارة الغنية بكل شىء لم يعد من الممكن النظر إليها على أنها مجرد ساحة للاحتلال والاستغلال!.
وليس في إفريقيا دولة أقدر من غيرها على إثبات صدق دعوة المنتدى إلى إسكات البنادق إلا دولة رواندا!.. ومن حُسن الحظ أن رباطًا آخر قويًا يشدنا إليها بخلاف الرابطة الإفريقية التي تجمعنا معها.. هذا الرباط الآخر هو أنها واحدة من ١١ دولة يضمها معنا حوض نهر النيل!.
فمنذ ربع قرن تقريبًا، وبالتحديد في إبريل ١٩٩٤، شهدت رواندا مذابح روعت العالم، وكانت على يد أغلبية الهوتو في حق أقلية التوتسى، وقد راح ضحيتها ٨٠٠ ألف إنسان.. ولا يزال الذين تابعوا أنباءها المُفزعة في تلك الأيام يذكرون كيف أن الرعب الذي صاحب استمرار المذابح لأكثر من مائة يوم قد جعل بعضنا هنا يتصور أيامها أن ماء النهر الخالد يمكن أن يصل إلينا مُحملًا ببقايا الجثث الطافية!.
إن رواندا دولة من دول المنبع في أقصى الجنوب.. ونحن إحدى دولتى المصب في أقصى الشمال.. وهذا ما جعل كابوس الجثث العائمة يراود كثيرين بيننا وقت وقوع المذابح!.
ولكن بمعجزة من السماء، تجاوزت رواندا عذابات المذابح الدامية، واستطاعت أن تتغلب على أحزانها، وجاهدت في تجفيف دموعها، ونجحت في القفز فوق ذكرياتها المأساوية، وراحت تقيم نُصبًا تذكاريًا للضحايا الذين لم يكن لأحد منهم ذنب في شىء سوى أنه كان ينتمى إلى أقلية في البلد!.
وبمعجزة أخرى، صارت رواندا مضرب المثل في قارتها من حيث القدرة على تحقيق معدلات نمو تصل بمواطنيها إلى مستوى آدمى من الحياة في المستقبل!.. أسكتت رواندا بنادقها وانتصرت للحياة!.