بقلم : سليمان جودة
فى حفل تأبينه، مساء أمس الأول، بكت السيدة بريجيت، حرم الدكتور على السمان، ولم تستطع إكمال كلمتها، وقالت وهى تغالب دموعها إنه لو كان بيننا اليوم، لكانت فى هذه اللحظة تشاركه الاحتفال بعيد ميلاده، كما كانت تفعل معه فى آخر كل سنة!.
وكان أصدقاء الرجل على موعد مع الحفل فى دير الآباء الدومينيكان فى العباسية، وعندما وقف المطران منير حنا يتكلم، قال إن احتشاد مثل هذا الدير الكاثوليكى، لتكريم رجل لم يكن كاثوليكياً ولا كان مسيحياً، إنما يشير إلى أن ذلك الرجل كان إنساناً قبل أن يكون مسلماً.. وبكل ما تعنيه كلمة إنسان!.
وفى ١٨ ديسمبر من العام الماضى، كانت بريجيت حاضرة فى حفل تأبين آخر فى باريس، التى قضى فيها زوجها الجزء الأكبر من حياته، وكان الحفل فى واحد من الأندية الشهيرة التى تضم فى عضويتها نجوم المجتمع الباريسى.. ساسة ومثقفين ورجال دولة.. وكان الدكتور بطرس غالى يتمتع بعضويته مع الدكتور السمان، وكان سفيرنا إيهاب بدوى حاضراً ومشاركاً، على نحو ما يحضر ويشارك فى كل مناسبة باريسية يراها سوف تضيف جديداً إلى رصيد بلاده!.
ولا أزال أذكر أنى فى فترة من الفترات كنت دائم التردد على دير العباسية، فلقد كان الأب جورج قنواتى يديره ويقيم فيه ويعمل، وكنت أحمل له تقديراً من نوع خاص، وكنت أجده قديساً فى صورة إنسان، وكان يحتفل بكل قيمة إيجابية فى الحياة!.
وقد بدأ حفل تأبين، أمس الأول، وكأنه يرغب فى تذكيرنا بأن قضية الحوار بين الأديان، التى أمضى الدكتور السمان سنوات طويلة من مسيرته يؤسس لها، إنما هى قضية تستحق أن نواصل العمل بعده من أجلها.. لقد جاء عليه وقت كان فيه على رأس الاتحاد الدولى لحوار الأديان والثقافات وتعليم السلام.. وكان يقينه أن الحوار واجب دينى، وقد عاش يتمنى لو استطاع نقل الإيمان بالقضية وبجدواها، من دوائر النخبة إلى القواعد العريضة للجماهير!.
وقد روى الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، أن أحد مستشارى شيخ الأزهر السابق كان يخوفه من مسألة الحوار بين الأديان، وأنه- أى الدكتور زقزوق- لما عرف ذلك صارح الشيخ السابق فقال: لا تنس يا مولانا أن النبى محمد عليه الصلاة والسلام، كان أول الذين دعوا عملياً إلى هذه المسألة، عندما حاور نصارى نجران فى مسجده فى المدينة المنورة!.
وعندما نشر الدكتور السمان كتابه الذى يحمل عنوان «ثلاث نوافذ تطل على السماء» كان هذا هو آخر كتاب ينشره فى دار نهضة مصر.. وكأن الكتاب كان وصيته قبل مغادرة الحياة، ثم كأن المؤلف أراد أن يقول إن الديانات الإبراهيمية الثلاث تؤدى كلها إلى خالق السماء، وتدعونا إلى أن نلتقى ونتقى!.