بقلم : سليمان جودة
أرسل أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، رسالة استغاثة إلى بقية الولايات الأمريكية، لأن أجهزة التنفس الصناعى فى ولايته لا تسعفه فى مواجهة الأعداد المتزايدة من المصابين بأعراض كورونا، ولأن أسرّة المرضى فى المستشفيات لا تسعفه أيضًا!
كان ذلك مساء الجمعة، وكان حاكم الولاية يصرخ ويستغيث، لأن حصيلة الوفيات بالمرض فى هذا اليوم كانت هى الأعلى منذ بدأ ظهور الوباء فيها.. وقد تساءلت بينى وبين نفسى عما كان على نيويورك أن تكون جاهزة به مسبقًا فى مواجهة هذا الوباء أو سواه من الأوبئة؟!.. إنها مدينة المال والأعمال الجبارة فى العالم، وفيها حى مانهاتن الذى يسكنه نجوم هوليوود، وتُباع الشقة فيه بأغلى مما تُباع به أى شقة فى أى مكان بأركان الأرض.. وفيها برج إمبابر ستيت الذى كان الأعلى عالميًا عندما ارتفعت طوابقه فى السماء، وفيها شارع برودواى أشهر شوارع المسرح فى الدنيا، وفيها المقر الرئيسى للأمم المتحدة!
وفيها البرج الشهير الذى يملكه دونالد ترمب، وفيها تمثال الحرية الشهير الذى يستقبلك حين تكون الطائرة متوجهة إلى الهبوط.. وفيها وفيها مما رأيته ورآه غيرى.. ومع ذلك بدت عاجزة تجرى أمام ڤيروس لا تراه العين إلا بميكروسكوب إلكترونى!.. ماذا فعلت مدينة المال والأعمال لدفع الخطر عن أبنائها؟!.. لا شىء.. لا شىء سوى الاستغاثة بأعلى صوت وطلب المساعدة من أى جهة!
وهو ذاته ما فعله ترمب عندما راح يحذر الأمريكان من أيام سوداء.. فماذا فعل هو الآخر؟!.. لا شىء سوى التحذير الذى لا يقدم شيئًا لخائف!.. وقد بدا حاكم نيويورك عاريًا أمام زحف الڤيروس على ولايته، بمثل ما بدا سيد البيت الأبيض، الذى كان إلى ما قبل الوباء بأيام يتباهى بابتزاز الخليج علنًا، وكان يبيع ويشترى فى أرض فلسطين دون سند من قانون، وكان يدوس فوق كل قيمة فى حياة الناس دون حياء، وكان ينسحب من اتفاقية المناخ بغير أن يبالى بعواقب انسحاب بلاده على صحة الإنسان على ظهر الكوكب!
كان يفعل هذا كله وغيره، فلما فاجأه كورونا بدا أوهن من خيط العنكبوت، إلى الدرجة التى وجد نفسه معها مضطرًا لعزل قائد حاملة طائرات صحيًا، لأنه أصيب على متن الحاملة.. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلنطى، بدا بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، أضعف وأضعف.. إنه معزول هو الآخر، وخادمه يضع له الطعام والصحف على باب الغرفة، ثم يفر هاربًا حتى لا تصيبه العدوى!
مما كشف عنه هذا الڤيروس متناهى الصغر، أن ساسة كبارًا فى العالم ليسوا كبارًا كما قد يظن الناس، ولا يستحقون مقاعدهم التى يجلسون عليها بالتالى.