بقلم - سليمان جودة
غاب الفنان فاروق حسنى عن حفل توزيع جوائزه للثقافة والفنون، وقيل فى الإعلام الذى نقل الخبر إن الغياب كان لظروف طارئة.. ولم يشأ الفنان الكبير أن يغيب عن الحفل كليا، وكان تقديره أن ظروفه الطارئة إذا كانت ستجعله يغيب بجسده، فليس أقل من كلمة يرسلها مسجلة لتذاع على الحاضرين.. وهذا ما كان.
ويعرف الذين تابعوا تفاصيل الحفل أن الظروف التى مرّ بها كانت تدعو إلى تأجيل الاحتفال بعض الوقت، لولا أن فاروق حسنى رفض التأجيل، وتمسك بأن يتم توزيع الجوائز على الفائزين فى موعدها المحدد سلفا، وفى المقدمة منهم الكاتبة الأستاذة سناء البيسى، التى رأت إدارة الجوائز أن تكرمها فمنحتها جائزة شخصية العام.
ولم تكن الظروف الطارئة التى مر بها صاحب جوائز الفنون والثقافة إلا وعكة صحية أصابته فأقعدته عن الحضور، لكنه لأسباب رآها قرر أن يحتفظ بخبر مرضه ولا يذيعه، رغم أنه قضى فى مرحلة العلاج ما يزيد على الشهر، ورغم أنه أمضى بعض الشهر يتلقى الدواء فى بيته، وبعضه الآخر فى المستشفى تحت الرعاية المركزة مرة، وخارج الرعاية المركزة مرة.. ولايزال.
لقد تعامل مع المرض على أنه أمر خاص يتعلق به ولا يخص سواه، وهذا صحيح فى جانب منه، لكن الجانب الآخر أن مرض فنان مثل فاروق حسنى يهم كل الذين يعنيهم شأن الثقافة أو الفنون فى البلد، لأنه لم يكن وزيرا عاديا عندما شغل موقع الوزارة الأهم فى المحروسة، لكنه كان وزيرا استثنائيا فى أدائه.. وكذلك كان فى رؤيته التى حكمت الأداء طوال وجوده على رأس وزارة الثقافة.
وإذا كنت قد وصفت وزارة الثقافة بأنها الأهم فى المحروسة، فليس فى ذلك مبالغة فى شىء، ولا فى ذلك بالطبع تقليل من شأن بقية الوزارات فى الحكومة.
أما لماذا هى كذلك، فلأن زعيما كبيرا فى حجم شارل ديجول كان يراها كذلك، وكان إذا دعا الحكومة إلى اجتماع فى باريس برئاسته، أجلس أندريه مارلو، وزير الثقافة، إلى يمينه مباشرةً، وكان رجال البروتوكول إذا لفتوا انتباهه إلى الترتيب الذى يختاره لجلوس الوزراء فى الاجتماع، رد فقال إنه لا خطأ فى الترتيب، وإن هذا الترتيب هو الترتيب الصحيح لوزير الثقافة.. وكان يفاجئهم أكثر فيضيف أن الأصح أن يجلس هو على يمين وزير الثقافة.
وكان يرى أن وزارة الثقافة وزارة سيادية بامتياز، وهو فى مذكراته المنشورة لا يصف هذه الوزارة إلا بهذه الصفة.. كان يقول ذلك عن قصد وإدراك سليم، وإلا، فما هى الصفة الأنسب لوزارة مهمتها تشكيل وجدان وعقول الناس؟.
ولو أنت راجعت أداء فاروق حسنى طوال سنواته فى الوزارة، فسوف تكتشف أن هذا المعنى الديجولى كان حاضرا فى ذهنه على الدوام، وأنه كان يمارس مهمته وزيرا وهو عارف أنه مسؤول عن وزارة سيادة بالمعنى الذى كان ديحول يفهمه، ولهذا، فإن مرضه شأن عام لابد أن نهتم به، وليس أبدا من قبيل الشأن الخاص.