بقلم - سليمان جودة
يضحك على نفسه كثيراً مَنْ يتصور أن إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حزينة على الصحفى السعودى جمال خاشقجى إلى هذا الحد، أو أنها مهتمة بمعرفة مصيره إلى هذه الدرجة.. إنها مهتمة بشىء آخر تماماً، وربما بأشياء، وليس «خاشقجى».. فى حقيقة الأمر.. من بين هذه الأشياء، ولا اختفاؤه على قائمة اهتماماتها، ولا بالطبع حقوقه ضمن أولوياتها!.
وما يُقال عن إدارة ترامب يُقال بالضبط عن دول فى الاتحاد الأوروبى، بدأت تتصرف منذ اللحظة الأولى التى جرى فيها الحديث عن اختفاء «خاشقجى» بالطريقة الأمريكية ذاتها، وكأنهم جميعاً.. الأمريكان والأوروبيون.. قد اجتمعوا دون اتفاق مُسبق على هدف واحد!.
ولذلك.. فلابد أن الحكومة فى الرياض تضرب كفاً بأخرى، وهى تتابع ما يحدث حولها وتحاول فهمه.. فالمؤكد أن واقعة اختفاء «خاشقجى» ليست المرة الأولى التى يختفى فيها مواطن فى دولة عربية، سواء كان صحفياً أو كان يعمل فى مهنة أخرى، ولن تكون المرة الأخيرة، ولكنها الأولى قطعاً التى تمثل فيها الواقعة على بعضها، من خلال ما يظهر منها أمام أعيننا، سبيلاً إلى تحقيق أهداف أخرى مع المملكة، مرة، وفرصة لتصفية حسابات قديمة معها، مرةً ثانية!.
وقد تذكرت وأنا أتابع قيام الدنيا على السعودية ما كان قد حدث وقت سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء فى أكتوبر 2015، فمنذ ذلك الوقت حتى هذه اللحظة، يتعامل إخواننا الروس، ومعهم الإنجليز على السواء، وكأن هذه هى المرة الأولى والأخيرة التى تسقط فيها طائرة تحمل سُياحاً فى العالم!.
وفى حالة كهذه يتأكد لك على الفور أن الهدف هو «توظيف» الحادث، سواء كان سقوط طائرة أو كان اختفاء مواطن.. الهدف هو توظيفه، وتسييسه، وهندسته على غير ما جرى تماماً!.
حدث هذا مع الطائرة قبل ثلاث سنوات، ويتكرر السيناريو ذاته مع «خاشقجى» هذه الأيام، وتبدو أطراف كثيرة فى المنطقة وفى خارجها وكأنها كانت فى انتظاره، وأكاد أقول إنها هى نفسها كانت وراءه.. والأيام على كل حال كفيلة بالكشف عن الكثير مما يبدو غائماً وغامضاً أمامنا!.
السعودية من جانبها قالت فى بدء إثارة القضية إنها ترفض لغة التهديد بفرض عقوبات، وممارسة ضغوط، تحت أى ظرف، وإنها إذا تلقت إجراءً من أى نوع، فسوف ترد بإجراء أقوى وأشد، وأنا من جانبى أدعو الحكومة فى المملكة إلى أن تكون هذه هى لهجتها إلى آخر المشوار، لأنهم فى واشنطن وعواصم أوروبا إذا كانوا أقوياء إلى هذا الحد، فلسنا بإمكاناتنا.. كعرب.. ضعفاء إلى هذه الدرجة!.. وعندما قالت الرياض فى مرحلة من مراحل الأزمة إنها تعرف حجم اقتصادها، وحجم تأثيره فى الاقتصاد العالمى، فلقد كانت تشير من بعيد إلى معنى ما أدعوها إليه!.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع