بقلم سليمان جودة
فى لحظة من لحظات الحوار بينى وبين جون كاسن، سفير بريطانيا فى القاهرة، تذكرت الحوار التليفزيونى الذى أذيع للرئيس وهو على أعتاب العام الثالث فى الحكم.
كان مما يجب أن نحسبه للرئيس، فى حواره، وأن نظل نذكره به، أنه وسع من دائرة حقوق الإنسان فى هذا العصر، لتشمل الحق فى التعليم الجيد، والحق فى العلاج الآدمى لكل مواطن.
وأظن أن الرئيس، وهو يوسع الدائرة هكذا، كان يريد عن حق أن ينبه الذين يتكلمون ليلاً ونهاراً عن حق الإنسان فى التظاهر - مثلاً - إلى أن الإنسان نفسه فى حاجة إلى أن ينال حقه فى أن يتعلم، وفى أن يجد علاجه فى أى مستشفى حكومى، قبل أن يجد حقه فى أن يتظاهر.. أو على الأقل، نعمل معاً، على أن يتوازى الأمران، لا أن يدور الحديث، فى كل وقت، عن حق التظاهر، وننسى أن الحق فى التعليم أهم، إذا ما كان علينا أن نختار، وأن الحق فى العلاج لا يكاد يدانيه أى حق آخر!
هذه مسألة مهمة للغاية، طرق بابها الرئيسى فى حواره، وكنت أتصور أن يأخذها الإعلام منه، وأن يركز عليها، وأن يدير حولها حواراً أكبر، بحيث يتضح فى الأذهان جميعها أن عبارة «حقوق الإنسان» إذا جاءت سيرتها، فى أى مناسبة، فهى لا تعنى فقط حق التظاهر، ولا حتى الحق فى التعبير بحرية عن مختلف الأفكار، وإنما تعنى قبل كل شىء حق كل مواطن يأتى إلى الدنيا فى هذا البلد، فى أن يجد مقعداً نظيفاً فى مدرسته، وأن يتلقى فوق المقعد تعليماً حقيقياً وجيداً، وأن يكون له مكان يليق به باعتباره بنى آدم، فى أى مستشفى حكومى، إذا ما ألجأته ظروفه إلى هناك!
تذكرت هذا كله، ولم يفارق عقلى وأنا أسمع من جون كاسن أن التعليم قضية أساسية فى أى بلد، وأنها لا يمكن أن تكون فرعية بأى حال.. لا يمكن.. وأن بلاده مستعدة للتعاون معنا فيها، بالخبرة، أو بالدعم بكل أشكاله، وأن بلده يتبنى تجربة فى تطوير التعليم، فى باكستان.. وتحديداً فى إقليم البنجاب هناك، وأننا فى مصر نستطيع، إذا شئنا، أن نأخذ من تجربة البنجاب، وأن نضيف إلى تعليمنا نحن هنا!
سألته: وما الذى يمنع التعاون معنا فى هذا الاتجاه، من جانب حكومة ديفيد كاميرون؟!
قال: لا شىء يمنع.. ونحن مستعدون.. وقد دعوت منذ فترة القائمين على تطوير تعليم البنجاب الباكستانى إلى القاهرة، وجاءوا فعلاً، وكان هناك لقاء بينهم وبين المسؤولين عن وزارة التعليم عندكم، وكان الأمل، ولايزال، أن تأخذ وزارة التعليم المصرية من تلك التجربة، وأن تكونوا، وأنتم تأخذون منها وعنها، منتبهين إلى أن فى باكستان عموماً، نوعاً من التعليم الجيد، وأن تعليمها يشدها إلى الأمام، يوماً بعد يوم، وأن تجربتنا معها أجدر بأن تكون محل اهتمام منكم.
إننى لا أعتبر دعوة السفير، فى اتجاه الاستفادة من خبرة ودعم بلاده، تعليمياً، مجرد دعوة لوزارة التعليم، أو للقائمين على أمرها، وإنما أعتبرها دعوة للدولة فى مستوياتها العليا، لأن التعليم فى النهاية سياسة دولة، لا سياسة وزير، أياً كان اسمه، وأياً كانت رغبته فى إصلاح تعليمنا، فلنأخذها بالجدية الواجبة، لأن وضع مدارسنا وجامعاتنا لا يحتمل أى انتظار.. لا يحتمل بأى حال، ولأن كل مشكلة نواجهها اليوم مرجعها الأول إلى سوء تعليم دام سنوات ولايزال يدوم.. كل مشكلة بلا استثناء!