سليمان جودة
فى مايو الماضى كنت فى لندن، وركبت المترو لأربع محطات ذهاباً وإياباً، دفعت فيها خمسة جنيهات إسترلينية، تعادل 60 جنيهاً مصرياً.. أو تزيد!
يومها كتبت أتساءل عما يدفعه المواطن هنا، إذا ركب مترو القاهرة، لأربع محطات أيضاً.. وقلت إن هذا المواطن إذا أخذ المترو من محطة الدقى، مثلاً، ثم مر بمحطة السادات، فمحمد نجيب، ونزل فى العتبة، فسوف يدفع جنيهاً، وإذا عاد فسيدفع جنيهاً آخر، ليكون الفارق بين المدفوع فى المسافة نفسها بين لندن، والقاهرة: 58 جنيهاً مصرياً.
أذكر أن أحد السادة القراء قد كتب معلقاً على ما كتبت، فقال: طبعاً ذكرت كل شىء، إلا فارق الدخل بين هنا، وهناك!
وهى ملاحظة للقارئ فى محلها تماماً، لابد أن تؤخذ فى الحسبان، ونحن نقرأ للرئيس فى خطابه، أمس الأول، أن آخر محاولة لرفع تذكرة المترو عندنا كانت من 12 سنة، وأن القيمة الحقيقية للتذكرة التى يدفع فيها الراكب جنيهاً واحداً هى أكثر من عشرة جنيهات!
الرئيس يتكلم صح.. لكن.. هل يذكر الرئيس أن محاولة جرت، قبل عدة أشهر، لرفع قيمة التذكرة، وأنه هو الذى تدخل وأوقفها؟!
ثم إن الأمانة تقتضى منا أن نقول إن الحكومات المتوالية، على مدى الـ12 سنة التى ذكرها الرئيس، لم تتدخل لرفع قيمة التذكرة، ليس لأنها كحكومات لم تكن تريد أن تتدخل، وإنما لأنها كانت تعرف، ولاتزال تعرف، أن دخل راكب المترو، سواء كان موظفاً، أو طالباً، لا يحتمل أن تصبح قيمة التذكرة أعلى مما هى عليه.. ولو كان يحتمل، لكانت التذكرة قد ارتفعت تلقائياً، وما كنا فى حاجة إلى كل هذا الصخب، حول موضوع يجرى فى بلاد أخرى، فى هدوء، ودون مشاكل!
ثم إن هناك بُعداً آخر هو: هل يضمن الرئيس للمواطن مستخدم المترو أن يجد خدمة أفضل فى انتظاره، إذا ارتفعت قيمة التذكرة؟!.. إننى أتمنى لو كان فى إمكان الرئيس أن يتسلل وحده، دون حراسة، ودون مقدمات، إلى المترو، ليرى حاله الذى انتهى إليه!
كنا فى بداياته نركبه، لنتصور فيه، من شدة نظافته، وهدوئه، وانتظامه، وانضباطه.. ولكنك الآن مدعو إلى النطق بالشهادتين، إذا خرجت منه سالماً!
القضية الأكبر هى أنك كدولة، إذا كنت سترفعين سعر سلعة، أو خدمة، فهذا حقك.. غير أن من حق المواطن، مستهلك الخدمة، أو السلعة فى المقابل، أن يجد سلعة أفضل، وخدمة أفضل، وأن يشعر بتحسن، ولو طفيفاً، فى دخله، وإلا كنا نضحك عليه، وهو شىء أظنه لن يرضى به مواطن، بعد ثورتين، فضلاً عن أنه شىء لن يكون موضع رضا الرئيس!.